تأثير الكحول على الدماغ واتخاذ القرارات

في دراسة حديثة أُجريت في جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية، تم الكشف عن تأثيرات مدهشة للإفراط في تناول الكحول على قدرة الدماغ في اتخاذ القرارات. هذه الدراسة تُعتبر الأولى من نوعها، حيث تبيّن أن الأضرار الناجمة عن الكحول لا تختفي حتى بعد مرور ثلاثة أشهر من التوقف عن التعاطي، مما يشير إلى أن تأثيره قد يكون طويل الأمد أو حتى دائم.

الكحول وتأثيره على القدرات الإدراكية

أظهرت النتائج أن الكحول يسبب تدميرًا في المناطق الرئيسية في الدماغ المسؤولة عن القدرات الإدراكية. وقد يكون هذا التدهور هو السبب وراء صعوبة تعامل المدمنين مع حالات الانتكاس بعد فترة من العلاج. في التجربة، أُعطيت الفئران جرعات عالية من الكحول لمدة شهر كامل، وبعد ذلك تم اختبارها بعد ثلاثة أشهر من دون كحول.

التجربة والنتائج

خلال التجربة، طُلب من الفئران الاختيار بين ذراعين للحصول على مكافآت، حيث كانت إحدى الذراعين تمنح مكافآت أكثر تكرارًا، ولكن كانت الذراع "الفائزة" تتغير كل بضع دقائق. كان على الفئران التكيف بسرعة وتغيير استراتيجيتها. وقد أظهرت الفئران التي تعرضت للكحول أداءً ضعيفًا جدًا مقارنة بالفئران السليمة، حيث تأخرت في التحول إلى الذراع الصحيحة الجديدة وعانت من صعوبات واضحة في اتخاذ القرارات.

التأثيرات طويلة المدى للكحول

نتائج الدراسة تؤكد التأثيرات السلبية التي يتركها الكحول على وظائف الدماغ الإدراكية لفترة طويلة بعد التوقف عن التعاطي. التغييرات التي وجدت في أدمغة الفئران، وخاصة في منطقة تُعرف باسم "الجسم المخطط الظهري الإنسي"، كانت ملحوظة، حيث أن هذه المنطقة تلعب دورًا مهمًا في التخطيط والتفكير الاستراتيجي.

الإشارات العصبية والكفاءة المعرفية

أظهرت النتائج أيضًا أن الفئران التي تناولت الكحول عانت من ضعف في الإشارات العصبية وانخفاض كفاءة معالجة المعلومات، مما يعكس التأثيرات الضارة على الأداء العقلي. الغريب أن هذه الاضطرابات استمرت حتى بعد مرور ثلاثة أشهر من التوقف عن تناول الكحول، مما يدل على أن الأضرار الناتجة قد تكون دائمة.

الانتكاس والتغيرات السلوكية

تُظهر الدراسة أن تلف الدوائر العصبية قد يكون سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدلات الانتكاس، حتى بعد استكمال العلاج. ومن المثير للاهتمام أن التغييرات كانت أكثر وضوحًا لدى ذكور الفئران مقارنة بالإناث، مما يشير إلى وجود اختلافات في ردود الفعل بين الجنسين تجاه الكحول. هذه النتائج تشير إلى ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لفهم هذه الاختلافات بشكل أعمق.

آفاق البحث المستقبلي

يخطط العلماء لدراسة تأثير الكحول على مناطق أخرى من الدماغ لفهم الأسباب التي تجعل ذكور الفئران أكثر تأثرًا من الإناث. هذه الأبحاث قد تفتح الأبواب لتطوير أساليب علاجية جديدة للإدمان، بالإضافة إلى برامج وقائية أكثر فعالية.
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26