الصراع في مكان العمل وتأثيره على بيئة العمل
ربما تعرضت لموقف نزاع في مكان العمل أو أنك شهدت صراعاً بين زميلين أو أكثر لسبب يتعلق بالمهام الوظيفية أو لأسباب شخصية حتى، فكيف تؤثر هذه النزاعات بين الزملاء وما هي أنواعها وأسبابها؟ كيف تؤثر الصراعات على الإنتاجية والعمل؟ وما هي طرق حل الصراع في مكان العمل؟
تأتي أهمية معرفة أشكال النزاع في مكان العمل من ضرورة ذلك لتقديم الحلول الأنسب وإدارة الخلافات بين الموظفين لتحقيق بيئة مهنية مريحة بالتالي زيادة وتعزيز الإنتاجية، فضلاً عن سيئات تأثير الصراع على نفسية الموظفين وإثارة القلق والاكتئاب بينهم على المدى الطويل، ومن أكثر أنواع الصراعات في العمل نذكر: [1]
- صراعات بسبب أساليب العمل المختلفة والمتضاربة: بعض الموظفين يحب العمل ضمن فريق والبعض الآخر بشكل مستقل، قد يكون بعضهم ذي أسلوب نشيط فاعل لا يحتاج الكثير من النوجيهات والبعض الآخر قد يحتاج توجيهات لأكثر من مرة حتى إتمام العمل، فتحدث صراعات العمل بسبب اختلاف أسلوب عمل كل شخص.
- صراعات قائمة على الشخصية: يتأثر الموظفون إلى حد كبير بإدراك شخصية وأفعال بعضهم، مثلاً إذا صرخ المدير في وجه شخص ارتكب خطأ، فقد يعتبره البعض مديراً مسيئاً، في حين قد يتفق آخرون مع المدير ويتخذون موقفاً سلبياً من زميلهم.
- صراعات بسبب شكل القيادة: خاصة إذا اعتمد العمل على عدد من الفرق بقيادات مختلفة، لا سيما إذا كان الأشخاص في أالدوار قيادية ذوي مهارات عالية إلا أنهم يتمتعون بالغرور فيكون الصراع بين الفرق مغذياً لغرور قياداتها الفردية، فلا بد أن ينتبه أرباب العمل والمدراء إلى ضرورة وضع قوانين مشتركة للعمل بين كل الفرق.
- الاختلافات الثقافية: أصبح التنوع في مكان العمل أمراً مفروغاً منه، وعلى الرغم من حقيقة أن الموظفين لديهم أوجه تشابه أكثر من الاختلافات، فلا يزال من الممكن ظهور مشكلات ثقافية تتعلق نقص فهم الاختلافات والخصوصيات والتنوع في المجتمع ومكان العمل.
- صراعات وظيفية: أو مهام الاعتماد المتبادل والمهام المتبادلة.. وتحدث بسبب ارتباط إنجاز عمل موظف بعمل موظف آخر، بحيث يتطلب الأمر التعاون لإتمام هذا العمل، مثلاً لا يمكن لمحاسب الشركة تقديم تقاريره الشهرية إذا تأخر فريق المبيعات بإدخال بيناتهم في نظام المحاسبة.
بالإضافة إلى أنواع وأشكال الصراعات في مكان العمل لا بد من التعرّف على الأسباب: [2]
- مقاومة التغيير: مع مرور الأيام يعتاد الموظفون على روتين معين، لكن عندما تعيد الإدارة لسبب ما؛ هيكلة العمل لصالح الموظفين، يُظهر بعضهم مقاومة للتكيف مع هذا التغيير.
- عادات العمل السيئة: يجب أن يعرف الموظفون كيفية العمل بشكل احترافي. لكن قد يكون بعض الموظفين مهملين في عملهم أو قد يعتني البعض بعملهم بشكل إضافي وبصورة مضاعفة عن المطلوب منهم!
- عدم الوضوح في الوظائف المخصصة: تظهر المشكلات عندما لا يتم تعريف وتوضيح مهام المناصب الوظيفية للموظفين الجدد. حيث يفشل بعض الموظفين في الحصول على صورة واضحة لمسؤولياتهم قبل بدء توليها.
- ضعف التواصل: يؤدي الافتقار إلى التواصل إلى نزاعات في مكان العمل. ويحدث ضعف التواصل إذا لم تتحلى الإدارة بالشفافية وإعطاء مساحة للموظفين للتواصل معهم كلما احتاجوا إلى توضيح ما. أو لم يتواصل قادة الفريق بشكل فعال مع أعضاء فريقهم حتى يفهم كل عضو في الفريق المهام والتعليمات بدقة. كا يؤدي ضعف التواصل بين الزملاء والأقران لمشكلات ونزاعات عديدة في مكان العمل.
- الفروقات الشخصية: قد تؤدي الاختلافات الفردية بين أعضاء الفريق، لانعدام وجود الاحترام المتبادل بينهم. كما سيكون لها تأثير كبير على العلاقات في مكان العمل وتؤثر على الإنتاجية كذلك.
- غياب الإشراف الجيد: يؤدي إلى نزاعات في مكان العمل، ويساعد الإشراف على تحديد المشكلات البسيطة بين أعضاء الفريق وأن يكونوا مستعدين للاستماع إلى الجميع بنهج غير متحيز أثناء التعامل مع المشكلات.
- ثقافة العمل غير المقبولة: مكان العمل غير السعيد لديه ثقافة عمل سامة تدعم التنمر والسلوك المسيء بين أعضاء الفريق. عندما تتطور مشكلة تافهة إلى نزاع خطير في مكان العمل، تصبح بيئة العمل بأكملها معادية.
- لا يوجد فهم لسياسات مكان العمل: تتبع كل منظمة مجموعة من السياسات والإجراءات لتكون محترفة أثناء تواجدها في السوق. عندما يفشل بعض الموظفين في اتباعها، لن يكون هناك تنفيذ فعّال لهذه القواعد والسياسات.
- القيم المختلفة: يتمتع الموظفون بقيم مختلفة في مكان العمل تماماً مثل الشخصيات المختلفة. قد تختلف قيم مكان العمل بالنسبة للعمال الأكبر سناً عن قيم العمال الأصغر سناً. لذلك قد يؤدي عدم قبول الاختلاف بين قيم مكان العمل إلى صراعات في مكان العمل. وقد يتطور اختلاف الرأي إلى نزاع في مكان العمل أيضاً.
- الموارد المحدودة: غالباً ما تكون الموارد مثل المال والوقت والمعدات نادرة. بالتالي تعد المنافسة بين الأفراد أو الإدارات على الموارد المحدودة سبباً متكرراً للصراع.
تسبب النزاعات في مكان العمل الكثير من التأثيرات التي تضرّ بمصالح العمل والإنتاجية فتطول تأثيراتها سوق العمل بشكل عام، وهذه أبرز التأثيرات في حال ضعف إدارة الصراع مكان العمل: [3]
- انخفاض أداء العمل: ليس الأداء الفردي فحسب، بل تزيد النزاعات من التوتر والضغط في مكان العمل، مما قد يؤدي إلى أخطاء وسوء تخطيط وخلافات. وبمرور الوقت قد يُنتج الصراع بيئة عمل سامة تعيق أداء الموظفين وتحفيزهم، بالتالي تعيق العمل، لأن النزاعات غالباً ما تكون مصحوبة بالكثير من الوقت الذي يضيع في الجدال والنميمة والانحياز إلى جانب معين.
- معنويات منخفضة لدى الموظفين: يمكن أن تؤثر النزاعات في مكان العمل على معنويات الفريق والرضا الوظيفي والتحفيز. قد يأخذ موظفوك إجازة لتجنب الخلاف والمسؤولين عنه. وقد يشعرون بالتوتر والاستنزاف العاطفي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الاستقالة والتغيب عن العمل.
كما أن الموظفين الذين يقعون في قلب النزاعات هم أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب وقلة النوم والأعراض الجسدية مثل آلام الظهر أو الصداع النصفي. - خسارة الإيرادات: يمكن أن يؤدي الفشل في معالجة النزاعات في مكان العمل إلى الإضرار بإيرادات الشركة وزيادة نفقاتها. كما تؤثر بيئة العمل السامة على رضا الموظفين، مما قد يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات الاستقالة كما ذكرنا أعلاه. هذا يعني أنه يتعين عليك كربّ للعمل؛ إنفاقَ المزيد على التوظيف والتدريب من جديد. كما تؤثر النزاعات بين الموظفين على العملاء والزبائن بشكل سلبي، مما يؤدي إلى انخفاض الأرباح.
- ضعف التواصل وسوء الفهم: ضعف التواصل أحد أكثر آثار الصراع شيوعاً على الفرق في مكان العمل. إذا كان أعضاء فريقك يتجادلون باستمرار، فلن يتمكنوا من التعاون والتواصل بشكل صحيح. يمكن أن يؤدي هذا إلى سوء الفهم، وانخفاض مشاركة الموظفين، وعدم الثقة وفقدان الأهداف.
باختصار.. يمكن أن يكون الصراع غير فعّال إذا كان مفرطاً أو ينطوي على هجمات شخصية أو خطط مخادعة ولم تتم إدارته بالطريقة الصحيحة، وتتضمن أمثلة النتائج السلبية فيما يلي:
مع ذلك يمكن أن تؤدي إدارة الصراع بحكمة وذكاء إلى فرص أكبر من الإبداع أو أن الصراع سيقود إلى قرارات أفضل. على سبيل المثال نتيجة لخلاف حول سياسة العمل، قد يتعلم المدير من الموظف أن التقنيات الحديثة تساعد في حل المشكلات بطريقة جديدة وغير متوقعة. وتشمل النتائج الإيجابية للصراع في مكان العمل ما يلي:
- النظر في مجموعة واسعة من الأفكار، مما يؤدي إلى فكرة أفضل وأقوى.
- تسطيح الافتراضات التي قد تكون غير دقيقة.
- زيادة المشاركة والإبداع.
- توضيح الآراء الفردية التي تبني وتشجع التعلّم.
هناك العديد من الاستراتيجيات التي تدير صراعات العمل بشكل إيجابي لتحقيق أفضل التأثيرات رغم هذه النزاعات كما ذكرنا آنفاً، ويمكن أن يتولى المدير المباشر أو أي موظف موثوق من قبل جميع الموظفين إدارة حل النزاع من خلال: [4]
- معرفة مصدر الصراع: توضيح وتحديد سبب الصراع كي تتمكن من فهم كيفية تطور المشكلة، وتحتاج كي تحقق ذلك إلى مناقشة الاحتياجات التي لم يتم تلبيتها لطرفي الصراع في مكان العمل. كذلك ضمان التفاهم المتبادل. بالإضافة للتأكد من حصولك على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول وجهة نظر كل طرف. لذا استمر في طرح الأسئلة حتى تتأكد من أن الجميع يفهم المشكلة.
- كيفية حل الصراع: وذلك من خلال هذه الخطوات:
- ابحث عن مكان آمن وخاص للحديث: تحتاج إلى إيجاد بيئة آمنة للتحدث مع أطراف النزاع. بهدف التواصل الصادق فيما يتعلق بالقضايا التي يحدث حولها الخلاف. لذا قبل محاولة حل أي مشكلة، ابحث عن مكان آمن وخاص ولا تختر مكتب أي من الطرفين أو موقعاً بالقرب منه. ثم تأكد من حصول كل طرف على الوقت الكافي للتعبير عن آرائه بشأن هذه المسألة.
- استمع بنشاط ودع الجميع يقول ما لديه: اجعل الطرفين يلتقيان في مكان خاص وآمن، أتح لكل منهما الفرصة للتعبير عن آرائه وتصوراته فيما يتعلق بالقضية المطروحة. امنح كل طرف وقتاً متساوياً للتعبير عن أفكارهم واهتماماتهم دون تفضيل طرف على آخر. وتبنى نهجاً إيجابياً وحازماً أثناء الاجتماع. بوضع القواعد الأساسية. التي ستشجع كلا الطرفين على التعبير عن أفكارهما بطريقة منفتحة وصادقة بالإضافة إلى فهم أسباب الصراع وتحديد الحلول.
- التحقيق في الموقف: بعد الاستماع إلى الطرفين، خذ وقتاً وتحقق من القضية. لا تحكم مسبقاً أو تتوصل إلى حكم نهائي على أساس ما لديك. تعمق أكثر واكتشف المزيد عن الأحداث والأطراف المعنية والقضايا وكيف يشعر الجميع. قم بإجراء محادثة فردية وواثقة مع المشاركين واستمع بطريقة حريصة لضمان فهمك لوجهات نظرهم. يمكنك القيام بذلك عن طريق تلخيص المعلومات التي ألو بها وتكرارها مرة أخرى. حاول كذلك العثور على أي مصادر تضارب بين الطرفين قد لا تكون واضحة.
- تحديد سبل تحقيق الهدف المشترك: عند إدارة عمليات الصراع، يجب أن يكون لديك هدف مشترك، وهو حل المشكلة والتأكد من عدم ظهورها مرة أخرى مستقبلاً. ولحل أي مشكلة يجب عليك أن تكون على دراية بمراحل الصراع المختلفة. سيمكّنك هذا من البحث عن الطرق المثالية لتحقيق الهدف المشترك. فبعد معرفة سبب النزاع، والتحدث إلى كلا الطرفين، والتحقيق؛ تحتاج إلى الجلوس مع كلا الطرفين ومناقشة الطرق المشتركة التي يمكنك تنفيذها لتحقيق الهدف المشترك، وهو إدارة المسألة المطروحة وحلها. استمع وتواصل واطرح الأفكار معهم حتى تستنفد جميع الخيارات.
- اتفق على الحل الأفضل وحدد المسؤوليات التي يتحملها كل طرف في القرار: بعد التحقيق في كل ما سمعته وتحديد الطرق التي يمكنك من خلالها حل المشكلة، يحتاج الطرفان إلى وضع استنتاج بشأن أفضل حل للمشكلة. وللتوصل إلى الحل الأفضل عليك تحديد الحلول التي يمكن لكل طرف التعايش معها. بمعنى إيجاد أرضية مشتركة. قم بعد ذلك بتحديد المسؤوليات التي يتحملها كل طرف في حل النزاع. ومن الضروري استغلال هذه الفرصة لتحديد السبب الجذري والتأكد من عدم ظهور هذه المشكلة مرة أخرى.
- قيم كيف تسير الأمور وقرر الإستراتيجيات الوقائية للمستقبل: اسأل نفسك: "ما هي الخطوة الثانية للتواصل الفعّال؟" ستساعدك معرفة ذلك على ضمان عمل الموظفين معاً لتحقيق الأهداف التنظيمية. لذا استمر في مراقبة تأثيرات المشكلة والصراع وتقييم ما إذا كان الحلّ فعالاً.. لاتخاذ كل ما يلزم في حال ظهرت المشكلة مرة أخرى.
قد يبدو تجنب نزاعات بيئة العمل من الأمور النادرة إن لم نقل المستحيلة في أي شركة أو منظمة، لكنك كمدير أو متخصص موارد بشرية من المهم أن تتقن إدارة وحلّ الخلافات في العمل بين الزملاء قبل وخلال وقوعها كما ذكرنا آنفاً، ولتنمية حلول ناجعة قد تؤسس لطريقة ناجحة تتجنب الصراع في مكان العمل مستقبلاً؛ إليك هذه النصائح: [5]
- الوعي الذاتي: يساعد على بناء التفاهم والثقة، ويوفر الأساس لعلاقات قوية.
- الإدارة الذاتية: هي المكان الذي تتعلم فيه كيفية التحكم في عواطفك في العمل.
- الوعي الاجتماعي: من خلال تعلّم تفهم مشاعر الآخرين وتنمية التعاطف مع مواقف الآخرين.
- إدارة العلاقات: هي الطريقة التي تلهم بها الآخرين وتطورهم لبناء ذكائهم العاطفي بدورهم.
- متى كان الوقت الذي حدث أن اتهمني أحدهم بالخطأ الذي اتهم به زميلي، كيف جعلني ذلك أشعر؟
- هل يشعر هذا الزميل فعلياً بالذنب حيال ما حدث؟ كيف سيكون شعورهم إذا عبرت عن رأي بما حدث؟
- هل كان هذا الزميل يعلم أن ما فعله كان خطأ؟
فقد تكون مشكلة في المنزل يتعامل معها هذا الموظف، لذا من المهم أن تكون متعاطفاً اتجاهه من خلال التواصل معه، وإجراء محادثة ولو كانت صعبة فإنها ستوضح الأمور للأفضل.
في النهاية.. توفر استراتيجيات التدريب على حلّ النزاعات للموظفين؛ فرصاً لتحسين أدائهم ومشاركتهم في تطبيق ثقافة احترام الاختلافات ووجهات نظر الآخرين مهما كانت مستفزة. ولا بد أن تعلم كمدير وصاحب عمل أو مشرف الموارد البشرية أن إدارة النزاعات وحلّها هي من المهارات الليّنة والضرورية لتنميتها لديك ولدى الموظفين في مختلف القطاعات.