ما سبب الشعور أنني سأموت وكيف أتخلص منه؟
كل إنسان قد يشعر بدنو موته في بعض الأحيان أو في لحظات معينة، بل يقال أن كل إنسان يعرف بأنه سوف يموت قبل لحظات من موته فعلاً، لماذا قد نشعر في أوقات معينة أو مواقف معينة بدنو أجلنا وحلول ساعتنا! وما تأثير الشعور باقتراب الموت على الصحة النفسية والحياة الاجتماعية، وهل الشعور باقتراب الموت نفسه هوس أو وسواس الموت؟
يفسِّر علم النفس الشعور المستمر باقتراب الموت بوجود اضطرابات أو مشاكل نفسية تولّد خوفاً شديداً من تجربة الموت أو المرور بظروف تجعل فكرة الموت حاضرة في الحياة اليومية، كم يعزو علماء النفس سيطرة فكرة الموت على التفكير إلى مجموعة من العوامل النفسية التي تسبب وسواس الموت، نذكر منها على سبيل المثال:
هل الخوف من الموت ضعف إيمان؟
الخوف من الموت في الإسلام ليس إثماً ولا معصية ولا ضعفاً بالإيمان، بل أن الخوف من الموت في الإسلام من المحفزات على العبادة وإحسان العمل وهو خوفٌ مشروعٌ لا بأس به ما دام خوفاً من لقاء الله وليس خوفاً من طريقة الموت أو سببه، وحض النبي ﷺ على تذكّر الموت لهجر المعصية فقال: أكْثِروا مِنْ ذِكرِ هادِمِ اللّذْات. صحيح رواه الترمذي.
وعلى المؤمن ألّا ييأس من رحمة الله تعالى، فالخوف من الموت لا يجب أن يكون قنوتاً ويأساً من الرحمة، ومن خاف من الموت فعليه أن يستعد للقاء ربّه، قال تعالى "لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" سورة الزمر آية 53.
لا يمكن لأحد أن يتوقع موعد الموت، والله وحده أعلم بالأعمار "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ"، بل أن التكهن والتنبؤ بموعد الموت لا يجوز، والحديث عن موعدٍ للموت ضربٌ من الشعوذة وادّعاء معرفة الغيب، وإذا صح شعور الإنسان بالموت قبل وقوعه فلا يكون ذلك معدوداً بالشهور والأيام، بل قد يشعر قبل لحظاتٍ عندما يدنو أجله، والله أجل وأعلم.
مع ذلك تشتهر العديد من القصص عن أشخاص يشعرون بموتهم قبل حلوله، لكن مجمل هذه القصص لا تعني أن الإنسان يتنبه قبل موته إلّا من رحم ربي، فقيل أن البعض يشعر قبل موته بشعور مجهول يدفعه لطلب السماح من الناس أو توديع أحبائه، والأكثر لا يفعلون، ويحكى أن فلاناً قال لأهله "اليوم أموت" فأمسى ميتاً، والأكثر لا يقولون، بل أنه نفس الشخص ربما يقولها مراراً فتصدق أخيراً لأن كلّ نفسٍ ذائقة الموت! وإن صح بعض هذه القصص فهي من رحمة الله بعبده ومن حوله من أحبائه، فلا علاقة لذلك بشعور اقتراب الموت المستمر أو هوس الخوف من الموت.
"من خاف من الموت مات من الخوف!"
- الخوف والقلق المبالغ به: يخاف الشخص الذي يشعر باقتراب الموت من أي صوت أو موقف بسيط، ويكون كثير التخيل لقصص وحوادث الموت المأساوية والمفاجئة، فقد يتجنب الخروج من المنزل مثلاً لأنه يتخيل كثيراً أنه يمكن أن يموت بحادث سيارة.
- الحزن والاكتئاب: هناك نوع من الناس ممن يشعرون باقتراب الموت تظهر لديهم مشاعر الحزن والاكتئاب بسبب الاعتقاد أنهم مفارقين للحياة بأقرب وقت، فيبدؤون بالزهد بكل ما حولهم ويفقدون القدرة على العمل أو الدراسة لأنه ومن جهة نظرهم هي أن هذه الأعمال لم يعد هناك فائدة منها طالما أن الموت قريب.
- الشعور بالذنب: تزداد مشاعر تأنيب الضمير والشعور بالذنب عند من يشعرون باقتراب الموت، فنرى أنهم يحاولون تصحيح أخطائهم مع الناس ويتعاملون بلطف زائد عن المعتاد ومبالغ به.
- يصبح الشخص حساساً لكلمة موت: يزداد قلق الشخص عند السماع بأي قصة أو حديث تذكر فيه كلمة موت، فكلما سمع هذه الكلمة انزعج وارتبك وفقد السيطرة على مشاعره وتصرفاته.
- يفسر تصرفات الآخرين بشكل خاطئ: نتيجة التفكير بالموت كل الوقت يبدأ الشخص بإسقاط مخاوفه وأفكاره على تفاصيل حياته، فتكثر حالة الشك لديه بتصرفات الآخرين، مما يعني مثلاً تفسير لطافة الأهل أو الأصدقاء وحنيتهم على أنها شفقة بسبب شعورهم باقتراب موته.
- الأرق وصعوبة النوم: يكون ذلك إما بسبب انشغال التفكير قبل النوم بموضوع الموت وتخيل أفكار تتعلق به، أو بسبب الخوف من الموت المباغت أثناء النوم دون الإحساس بأي شيء، فيصبح الشخص هنا يجاهد نفسه ليقاوم النوم ويبقى مستيقظاً.
- الخوف من البقاء وحيداً: الجلوس وحيداً في مكان بعيد عن الناس مصدر قلق وتوتر لمن لديه هذا الشعور، ويعود ذلك لانهيال أفكار سوداوية عن الموت عند الوحدة وزيادة الخوف من خطره، وخصوصاً في فترة الليل، لذا لا يرغب بالنوم في غرفة لوحده ولا يحب البقاء بالمنزل عموماً لوحده. [4]
الشعور الطبيعي باقتراب الموت يكون مجرد أفكار سلبية ومشاعر داخلية أو حديث مع الذات أو الآخرين حول شعور اقتراب الموت، أمو نوبات وسواس الموت فتعبر عن نفسها بأعراض خطيرة أبرزها:
- ضيق التنفس: من أبرز أعراض نوبة الهلع والتي تظهر بسرعة، يواجه فيها المصاب صعوبة في التنفس ويلهث بكثرة وقد يترافق ذلك مع الشعور بألم في الصدر.
- تسرع دقات القلب: يصبح معدل ضربات القلب أسرع من المعتاد خلال نوبة الهلع بسبب زيادة إفراز الأدرينالين في الجسم كرد فعل طبيعي على حالة الخوف.
- الرعشة والرجفان: أيضاً من أوائل الأعراض التي ترافق النوبة الهلعية والتي يبدأ فيها جسد المصاب كله بالرجفان بشكل غير إرادي حتى لو كان في جو دافئ.
- التعرق: تتعلق حالة التعرق أيضاً بنوبات الهلع فبعد هجوم النوبة بعدة دقائق غالباً ما يتعرق المصاب بشكل زائد عن الحد الطبيعي.
- أعراض هضمية: تقريباً من آخر الأعراض التي تظهر بحالات نوبات الهلع، تتمثل بحالة من الدوخة والغثيان وتشنجات مزعجة في المعدة.
- الانفصال عن الواقع: حيث يصبح الشخص قليل التركيز للمحفزات التي تحيط به من أصوات ومشاهد وكأنه غائب عن الوعي، فمثلاً لا يستجيب الشخص للنداء باسمه أو لا يشعر بمن حوله.
- الشعور بتنميل الأطراف: كثيراً ما يشكو الناس المصابين برهاب الموت من شعورهم بتنميل الأطراف ويهيأ لهم أن هذه أعراض الموت، هذا طبعاً هو عرض وهمي نابع عن كثرة التفكير بكيفية ظهور أعراض الموت ومحاولة التركيز في تخليها وفهم مدى قوة الألم الذي يرافقها إلى أن يبدو للإنسان أنه يشعر بها، أو يفسر أي تعب وألم بسيط على أنه بداية تلك الأعراض. [1]
ينطوي علاج حالات الرهاب عموماً على العلاج النفسي بشكل رئيسي، وقد يتم اللجوء للأدوية لتخفيف حدة الأعراض أحياناً، وهذا ينطبق أيضاً على رهاب الموت الذي يعالج بالأساليب التالية: [3]
- العلاج السلوكي المعرفي:العلاج السلوكي المعرفي هو نوع من العلاجات النفسية الرائجة في علاج طيف واسع من أشكال الرهاب، يقوم به أخصائي نفسي ويهدف بشكل عام إلى تغيير ردود الفعل السلوكية للأشخاص تجاه مصادر توليد حالات الرهاب، بشكل أبسط وأكثر وضوحاً يقوم هذا العلاج بإعادة تأهيل معارف وأفكار الشخص المريض الغير متوازنة بشكل يؤدي إلى تحسين سلوكه تجاه مؤثرات الرهاب.
ومثالنا هو رهاب الموت الذي يتمثل بأفكار ومعتقدات غير متوازنة عن موضوع الموت فتؤدي إلى استجابة الفرد بشكل مبالغ به لأي مؤثر يتعلق بالموت، كالأخبار مثلاً، وتظهر أعراض الرهاب على اختلافها، وهنا يأتي دور العلاج السلوكي المعرفي في تصحيح تلك المعتقدات وتكوين معتقدات جديدة أكثر توازن بحيث تؤدي إلى تخفيف الاستجابة للمؤثرات المحفزة لرهاب الموت. - العلاج النفسي: أو العلاج بالكلام الذي يقوم على تواصل المريض مع أخصائي نفسي وشرح المريض لكل ما يراود ذهنه من أفكار، ووصف ما يحدث له خلال نوبة الرهاب ومتى يصاب بها، ثم يبدأ الأخصائي بطرح الأسئلة التي تساعد في الوصول إلى سبب نشوء هذه الحالة وتحليلها وأخيراً مناقشة أسلوب التخلص منها وتجاوزها.
- العلاج بالمواجهة: تكون الفكرة هنا هي جعل الناس يواجهون مخاوفهم ويتعلمون مقاومتها وعدم دفنها في داخلهم والهرب منها دائماً، وهنا يكون العلاج تدريجي وليس صادم لأن التعرض بشكل مفاجئ وقوي يؤدي في هذه الحالة لنتيجة عكسية.
- الرعاية الذاتية: من المفيد أيضاً التركيز على ممارسة أساليب الرعاية الذاتية التي لها دور في تحسين الصحة النفسية والعقلية وبالتالي تقليل حالات الرهاب، مثل الحرص على النوم بشكل كافي ومريح، العناية بالنظام الغذائي، تجنب مشروبات الكافيين، الإقلاع عن الكحول والتدخين، ممارسة نشاطات اجتماعية وما إلى ذلك.
- تقنيات الاسترخاء: وهي مفيدة لحالات القلق التي تترافق مع رهاب الموت وتزيد حدته، مثل القيام بتمارين التنفس العميق واليوغا، التأمل، التفكير بنواحي الحياة الإيجابية.
- بعض الأدوية: قد تستخدم أحياناً في حالات الرهاب الشديد بالترافق مع العلاج النفسي، وهي مفيدة في ضبط بعض الحالات وتخفيف الأعراض الحادة لكنها غير محبذة للاستخدام طويل الأمد لأنها تسبب الإصابة بالإدمان.
- "اللَّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن الهَمِّ والحزنِ، والعجزِ والكَسلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلعِ الدَّين، وغلبة الرِّجال" صحيح أخرجه البخاري من حديث أنس ابن مالك.
- قال الرسول ﷺ "اللَّهمَّ رَحمَتَكَ أرْجو، فلا تَكِلْني إلى نَفْسي طَرْفةَ عَيْنٍ، أصْلِحْ لي شَأْني كُلَّهُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ" وهو دعاء المضطر، رواه أبو بكرة نفيع ابن حارث من صحيح أبي داوود.
- "اللَّهُمَّ إني أسألُك بأن لك الحمدَ لا إله إلا أنتَ الحنانُ المنانُ بديعُ السماواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ يا حيُّ يا قيومٌ أن تَقيني الخَوف مِن الموتِ وتجعلهُ خفيفاً على قلبي".
- قال الرسول ﷺ عن هذه الصيغة حتى يا حيُّ يا قيومٌ: لقدْ دَعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دُعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطَى.
- كان الرسول الكريم ﷺ يقول قبل النوم "اللَّهمَّ إنِّي أسلَمْتُ نفسي إليك ووجَّهْتُ وجهي إليك وفوَّضْتُ أمري إليك رغبةً ورهبةً إليك لا ملجأَ منك إلَّا إليكَ" من حديث البراء ابن عازب في صحيح ابن حبّان، وهو من أحسن الأذكار.
ملاحظة: لم يأتِ في السُّنة النبوية الشريفة أدعية مخصّصة لطرد الخوف من الموت أو علاج وسواس الموت، وهذه الأدعية الصحيحة من حديث النبي الكريم ﷺ هي أدعية فك الكرب والخوف عموماً، وتصلح لكل حالٍ فيه قلقٌ وخوفٌ، والله أعلم.