من أجمل الشعر عن سوء الظن بالناس قول المتنبي:
إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه ... وصدَّق ما يعتادُه من توهُّمِ
وعادى محبِّيه بقولِ عُـداتِه ... فأصبح في دَاجٍ من الشَّكِّ مظلمِ
بهذه الأبيات يختصر أبو الطيب المتنبي معاناة الإنسان مع سوء الظن بالآخرين، حيث يصبح فريسة سهلةً للشك وتصديق الظنون السيئة التي هي أوهامٌ يوهم بها نفسه، ويقوده سوء الظن إلى الشكّ والعداوة مع من يحب، فما هي أسباب سوء الظن بالناس وكيف يمكن علاج الظن السيء بالآخرين.
سوء الظن بالناس هو توقع سوء النيّة وراء تصرفات الآخرين وأفعالهم وأقوالهم دون أخذ الوقت الكافي للنظر والتمعن فيها ودون إيجاد أعذار للآخرين، ويتحول سوء الظن بالناس إلى وسواس عندما يكون مستمراً وقهرياً، وعاماً يشمل المقرّبين والغرباء، ونابعاً من الشك المرضي، حيث يعاني الشخص بصفة مستمرة من توقع الأسوأ من الناس واتهامهم بسوء النيّة والشعور أنّه دائماً يتعرض للخداع والضرر من المحيطين به أو الغرباء.
سوء الظن بالناس من الآليات التي يكتسبها العقل الباطن لحمايتنا من الضرر أو تكرار تجارب سيئة، فالحذر من الآخرين وتوقع الأسوأ هو جزء من تربية معظم الأطفال، كما أن التجارب التي يعيشها معظم الأشخاص من التعرض للخداع أو الضرر بسبب حسن الظن تحفِّز على أخذ الحذر في المرات القادمة، لكن قد يتحول سوء الظن إلى موقفٍ قهري غير واعٍ من الحياة ومن الناس بشكل عام، ويتعدى وظيفته الدفاعية إلى كونه موقفاً مسبقاً لا يمكن السيطرة عليه والتحكّم به.
متى يكون سوء الظن بالآخرين وسواساً ومرضاً؟
- الشعور المستمر بأنّ الآخرين يكذبون عليك ويخدعونك.
- الشعور دائماً أنك ضحية للاستغلال والابتزاز العاطفي وأن طيبة قلبك هي مشكلتك الكبرى.
- عندما تكون وحدك، تتخيل أن الآخرين يقومون بأمور ممتعة بدونك أو يخفون عنك ما يقومون به.
- لا تستطيع الثقة بالآخرين حتى أكثر الناس قرباً إليك.
- تشعر دائماً أنك ستتعرض للخيانة من المقرّبين مثل الأصدقاء أو الشريك أو الأهل.
- تتخيل دائماً اللحظة التي ستكتشف بها خيانة وغدر المقربين لك وكيف ستواجههم.
- الشعور دائماً بالقلق من هجر الآخرين لك أو الانفصال عنك وعدم الكفاءة في العلاقة.
- تجد صعوبة كبيرة في انتظار معرفة الحقيقة وتستعجل في إطلاق حكم سلبي.
- لا تستطيع السيطرة على نفسك عندما تتاح لك الفرصة للتفتيش والتحقيق في خصوصيات الآخرين، وتسعى لمراقبة المقرّبين منك وتتبعهم.
- تفقد السيطرة على مشاعرك وتغضب بسهولة لمواقف بسيطة، مثل أن يتأخر أحدهم عن موعده.
- الإفراط في تحليل كلام الآخرين وتصرفاتهم ومحاولة إيجاد نوايا خفيّة لكل ما يقولونه أو يفعلونه.
- إلقاء اللوم على الآخرين دائماً عند الفشل في أمرٍ ما، مثل تبرير الرفض في مقابلة عمل بالوساطة والمحسوبية، أو تبرير الفشل الدراسي بسوء المنظومة التعليمية.
الخوف من التعرض للأذى: الخوف من التعرض للأذى بأشكاله المختلفة هو أول أسباب سوء الظن بالآخرين، حيث يحرضنا الخوف من التعرض للاستغلال أو الإساءة أو الابتزاز على توقع الأسوأ من الآخرين والحكم على النوايا بشكل سريع، كذلك الخوف من تكرار التجارب السيئة التي مررنا بها يحفزنا على سوء الظن.التجارب السابقة: من أهم أسباب سوء الظن بالآخرين هو التعرض لتجارب سيئة مرتبطة بحسن الظن أو الطيبة الزائدة، مثل التعرض للاستغلال العاطفي أو المادي أو التعرض للخيانة والغدر بشكل متكرر، خصوصاً عندما تكون هذه التجارب السلبية مع أشخاص مقرّبين مثل الوالدين أو الأصدقاء أو بين الزوجين، ما يترك شعوراً عميقاً بعدم الأمان.الشعور الدائم بالاستغلال العاطفي: من أسباب سوء الظن بالآخرين الشعور المستمر أنك ضحية للاستغلال العاطفي، وأنك تقع دائماً في دوامة العطاء بدون مقابل ولا يبادلك الآخرون هذا العطاء، قد يجعلك هذا تتوقع دائماً أن الآخرين يريدون الحصول على كل شيء منك دون مقابل، وأنّهم لا يقدرون عطائك غير المشروط، إن غير مشروط فعلاً!انخفاض تقدير الذات: قد يكون سبب سوء الظن بالآخرين انخفاض التقدير الذاتي، حيث يشعر الشخص بالحيرة عندما يقوم الآخرون بالمبادرة نحوه أو بتقديم المعونة له أو التعامل معه بطريقة إيجابية، ويفكر "هل أستحق ذلك.. هناك شيء ما خاطئ"، كما يحرض التقدير المنخفض للذات على التفكير بأن الآخرين لن يحسبوا له حساباً وسيكون من السهل عليهم استغلاله أو الاحتيال عليه.قلة الخبرة الاجتماعية: غالباً ما ينتشر سوء الظن بالناس بين الأشخاص الأقل خبرة في العلاقات الاجتماعية، لأنهم أقل قدرة على قراءة دوافع الآخرين وتحليلها، كما أنّهم أقل خبرة بمدى عبثية بعض المواقف في الحياة، لذلك يستعجلون لإطلاق الأحكام ما يجعلهم يقعون في دوامة سوء الظن.الشك المرضي واضطرابات الشخصية: يرتبط سوء الظن بالناس بالكثير من الاضطرابات النفسية واضطرابات الشخصية، حيث يعاني المصابون باضطراب النرجسية من الشك المرضي وسوء الظن بالناس، كذلك المصابون باضطرابات الوسواس القهري، ويعتبر سوء الظن والشك المرضي العلامة الكبرى لاضطراب جنون العظمة واضطراب الشخصية المرتابة، لكن لا يمكن الاعتماد على الشك وسوء الظن بالناس بشكل مستقل لتشخيص هذه الاضطرابات.قلق الانفصال: قلق الانفصال هو التوتر المستمر والخوف الدائم من التعرض للهجر والانفصال عن المقربين، عادةً ما يكون سوء الظن بالناس أحد الأعراض الكبرى للتعلّق المرضي وقلق الانفصال والتفكير الدائم أنّ العلاقة مع الصديق أو الشريك العاطفي على وشك الانهيار، وأن الطرف الآخر يسعى دائماً للتملص والمغادرة وكل تصرفاته تدل على ذلك!الحسد والغيرة: يرتبط شعور الحسد والغيرة من الآخرين بإساءة الظن بهم والتسرع في الحكم على نواياهم، حيث يعتبر سوء الظن شكلاً من أشكال التعبير عن الحسد والغيرة والتقليل من شأن الآخرين الذين يشعر تجاههم بالحسد من خلال التشكيك بنواياهم ومقاصدهم أو مصادر ثروتهم أو أسباب سعادتهم أو نتائج أعمالهم مقاصدها.التعميم وإطلاق الأحكام السهلة: ربما تلاحظ أن سوء الظن بالناس أصبح أكثر انتشاراً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة حيث يسهل إطلاق أحكام عامة على الآخرين، حيث يرتبط سوء الظن بالناس ارتباطاً وثيقاً بالأحكام العامة التي لا تراعي الظروف المحيطة بالأشخاص أو الأحداث، والتعميم الذي لا يراعي خصوصية الأفراد، وسهولة إطلاق هذه الأحكام العامة على وسائل التواصل الاجتماعية يتسرب إلى الحياة الواقعية.النوايا السيئة: للأسف أن سوء الظن بالآخرين قد يكون مرتبطاً بنواياك السيئة! حيث يميل معظمنا لتعميم الطريقة التي يفكرون بها على الآخرين، وعندما تكون غير مستعد لتقديم شيء بدون مقابل لن تستطيع فهم مبادرة الآخرين بحسن نية! وتذكّر قول الشاعر "إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه". فهم سبب سوء الظن بالآخرين: أول خطوات علاج سوء الظن بالناس هي تحليل أسباب ودوافع الشك المستمر والأحكام المسبقة، ومحاولة ربط سلوك إساءة الظن بالتجارب السابقة أو الأفكار والسلوكيات الأخرى التي تميّز شخصيتك، فهم السبب الذي يجعلك تسيء الظن بالآخرين سيساعدك بلا شك على إيجاد الحل المناسب وتطوير نظرة أكثر واقعية وعقلانية وربما أكثر تفاؤلاً.إجبار الذات على التفكير بالاحتمالات: يجب أن تعلم أن المشكلة ليست في التفكير باحتمالات سيئة وسلبية، بل في تحييد واستثناء الاحتمالات الأخرى، وأهم ما يجب عليك فعله للتخلص من سوء الظن بالآخرين أن تجبر نفسك على التفكير بجميع الاحتمالات، فإذا تأخر شخص عن موعده قد يكون في موقف لا يحسد عليه وقد يكون قد تعرض لحادث، أو ببساطة نسي محفظته وعاد لأخذها!تدوين المواقف ومراجعتها: لتعرف إن كان سوء الظن بالآخرين في محله أم أنك تبالغ بالأمر من الجيد أن تقوم بتدوين بعض أفكارك ومراجعتها لاحقاً، لكن تأكد من تدوين الأفكار والظنون السيئة بأمانة ومراجعتها بأمانة عندما تتاح لك فرصة معرفة الحقيقة.اعتذر وصارح الآخرين: من طرق علاج سوء الظن بالآخرين أن تقوم بالاعتذار لهم عن سوء الظن بهم عندما تكتشف أنك لم تكن على حق، وأن تصارحهم بما كنت تفكر به، هذا سيساعدك على إحسان الظن بهم من جهة، وسيخفف من شعورك بالذنب من جهة أخرى.الخروج من دور الضحية: حاول أن تتوقف عن جلد ذاتك ولعب دور الضحية، وابدأ بالتفكير في الخروج من هذا الدور وتقبّل أن الحياة فيها لحظات ممتازة وجيدة ولحظات صعبة، وفيها أشخاص يحبونك دون شروط وأشخاص استغلاليون، وحاول أن تفصل نفسك عن تصرفات الآخرين وأقوالهم، فعندما تبدأ بالظن السيء تذكّر أن هناك غيرك في الحياة ولست أنت محور تصرفات وأفعال الآخرين دائماً.قطع سلسلة التفكير بالظن السيء: التدخل الإيجابي في التفكير العفوي من أهم تقنيات برمجة العقل الباطن لمحاربة الأفكار السلبية ومنها سوء الظن بالآخرين، عندما تشعر أنك تفكر بطريقة سلبية حاول أن تقطع سلسلة أفكارك بأفكار أخرى لا علاقة لها بالموضوع أو بممارسة أنشطة تشغلك عن سرد الاحتمالات السيئة ومحاولة إثباتها.التدرّب على الصبر: سوء الظن يرتبط بالتسرع في الحكم وعدم القدرة على انتظار جلاء الأمر ووضوح معالمه، لذلك سيكون التدريب على الصبر من الأساليب الفعالة في علاج سوء الظن بالناس، جرب أن تقوم ببعض الأنشطة التي تعزز قدرتك على الصبر والانتظار، وجرب أن تكبح نفسك عن التفكير بدوافع ونوايا الآخرين حتى تظهر لك من تلقاء نفسها.منح الآخرين بعض الخصوصية: حاول أن تعطي للآخرين مساحة خاصة ولا تكن فضولياً، سيساعدك ذلك على تقدير أن هناك أموراً لا تعرفها ولا يجب أن تعرفها، بالتالي ستستطيع إيجاد الأعذار أو على الأقل إعطاء فرصة للآخرين لإثبات حسن النية.طلب المساعدة من متخصص نفسي: إذا كنت غير قادر على ضبط سوء الظن بالناس أو تشعر أن الشك لديك حالة مرضية وغير طبيعية فعليك طلب استشارة من المعالج النفسي، سيساعدك المعالج النفسي من خلال العلاج بالجلسات والعلاج السلوكي المعرفي، وقد يصف لك بعض الأدوية التي تساعد على سير العلاج. - ابتعاد الآخرين عنك: لا أحد يرغب بالعلاقة مع شخص شكّاك ويسيء الظن باستمرار، غالباً ما يشعر الآخرون بالقلق من طريقة تفكيرك وإساءة الظن بكل ما يقولونه أو يفعلونه، ما سيجعلهم أقل رغبة باستمرار العلاقة أو تعميقها.
- ستشعر أنك غريب بين المقرّبين: أقرب الناس إليك سيخفون عنك الكثير من الأمور التي تحدث معهم تجنّباً لسوء الظن، سيعزلونك عن حياتهم ويحاولون الحفاظ على مسافة أمان بعيدة بينك وبينهم، بل أن احتمال أن تتعرض للخداع والتضليل والكذب أكبر بكثير عندما تكون مشهوراً بسوء الظن بالناس.
- علاقاتك العاطفية ستكون متوترة دائماً: العلاقة العاطفية والزوجية مبنية أولاً على الثقة المتبادلة بين الطرفين، وعندما تكون سيء الظن بالناس من حولك ستكون علاقتك العاطفية هشّة ومتوترة دائماً، لأنك لا تستطيع منح الشريك الثقة، كما أن الشريك يشعر دائماً أنه موضع اتهام، ما سيدفعه أيضاً لإخفاء الكثير من الأمور عنك لأنه يعلم أنّك لن تتفهمها بالشكل الصحيح وستفرط في التحليل وإساءة الظن.
- ستتعرض للكثير من المواقف المحرجة: الاستعجال بإطلاق الأحكام على الآخرين سيجعلك أكثر عرضة للمواقف المحرجة عندما تكتشف أنك كنت مخطئاً، وفي بعض الحالات لن يكون الاعتذار كافٍ لإصلاح العلاقة بعد سوء الظن والاتهامات الباطلة.
- سوء الظن نقطة ضعفك في العلاقات: بما أن الناس ليسوا جيدين بالضرورة فإن سوء الظن قد يكون نقطة ضعفك الجديرة بالاستغلال في علاقتك مع الآخرين، قد تتعرض للتلاعب بك للتسلية من خلال استغلال هذا العيب ودفعك لسوء الظن وإفساد علاقاتك بالآخرين.
- لن تكون علاقاتك متوازنة: غالباً ما يدفعك سوء الظن بالناس إلى السيطرة والتحكم واقتحام خصوصية الآخرين، لذلك لن يكون من السهل بناء علاقة متوازنة فيها مساحة من الخصوصية للطرفين.
حكم سوء الظن في الإسلام أنه محرّم ولا يجوز، وذلك لقوله تعالى في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ"، وقد بيّنت الآية الكريمة أن بعض الظن جائز وبعضه إثم، وحذّرت من إكثار الظن السيء بالناس واللجوء للظن الحسن والظن بالخير، كما ربطت الآية الكريمة بين الظن السيء والعادات السيئة المقترنة به والمحرّمة معه "وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا".
وليس التفكير بسوء نية الآخرين أو وضع احتمالاتٍ سيئة هو المحرّم فذلك من الحكمة والطبيعة، لكن المحرّم هو تحقيق الظنّ السيء دون دليل أو بينة أو قرينة، والتعامل بناء على الظنون السيئة وتصديقها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلّم: "إياكم والظنُّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث".
وأما حديث "التمس لأخيك سبعين عذراً" فهو ليس بحديث ولا تصح روايته عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وإن كان لا بأس في معناه، وهو قولٌ منسوبٍ لجعفرٍ بن محمّد رواه عنه ابن سيرين أنه قال: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً.
المصادر و المراجعaddremove
أحدث أسئلة تطوير الذات