دور الأب في حياة ابنته المراهقة وكيف
مراهقة الفتاة حساسة في مجتمعاتنا أكثر بقليل من مراهقة الفتى، ما يفرض على الأبويين ولا سيما الوالد؛ بناء علاقة طيبة ومتينة ومرنة مع ابنته في مرحلة المراهقة، تستمر تأثيراتها على حياة ابنتك مدى الحياة.
يمكنك أن تتابع من خلال مقالنا أهم النصائح التي ربما تساعدك في كيفية التعامل مع طفلتك المراهقة بشكل صحيح.
إن مرحلة المراهقة مرحلة حساسة جداً وغالباً ما تمتد من عمر 13 سنة وحتى عمر 18 سنة مع بعض الفروقات بين الأفراد، حيث تبدأ فيها التغيرات البنيوية في الجسم في سبيل تحقيق النمو والبلوغ، كما تتميز بتغيرات فيزيولوجية وهرمونية تؤثر على الناحية النفسية للمراهق بشكل سلبي أحياناً.
فأكثر المشاكل والاضطرابات النفسية تظهر في هذه المرحلة، مثل الإدمان بشتى أنواعه والميول والعلاقات الجنسية غير السوية واضطرابات الشخصية وغيرها، لذلك تعتبر متابعة الأهل لطفلهم في مرحلة المراهقة أمراً أساسياً ومهماً جداً، خاصة الفتيات المراهقات.
حيث تعتبر الاضطرابات والتغيرات الهرمونية التي تحدث لدى المراهقات خلال هذه المرحلة من أهم أسباب المشاكل الأسرية التي تنشأ بين الفتاة من جهة وأهلها ومحيطها ومجتمعها من جهة أخرى، وهذا ما يحتم بناء علاقة متينة بين الفتاة المراهقة وأهل بيتها لاسيما الأب الذي يعتبر في نظر ابنته مصدر القوة ومنبع الأمان.
يمكن القول أن أساس التعامل مع الفتاة المراهقة هو الاحترام والثقة المتبادلة، فمحبة الفتاة لأبيها وثقتها به يسهل توجيهها بشكل صحيح خلال هذه المرحلة، لذلك هناك بعض النصائح التي تعزز العلاقة بين الأب وابنته المراهقة، ومنها: [1]
- إبداء الحب لها: تمر الفتاة خلال مرحلة المراهقة الفتاة بتغيرات جسدية وعاطفية كثيرة، بالإضافة إلى الاضطرابات الهرمونية التي ترافق البلوغ مثل ظهور حب الشباب في الوجه، ظهور شعر الجسم غير المرغوب به وبدء الدورة الشهرية أو ما يعرف بالطمث.
ذلك كله من شأنه هز وزعزعة ثقتها بنفسها لذلك أكثر ما تحتاجه المراهقة في هذه المرحلة هي معرفة أن والدها يحبها ويقدرها، ليس فقط بما تبدو عليه من الخارج وإنما لنقاوتها الداخلية، وأنه مصدر الأمان لها حتى وإن خذلها الآخرون، فيجب أن تشعر الفتاة بأن حب أبيها لها ثابت وغير مشروط مما يعزز لديها الثقة وتقدير الذات ويساهم في المحافظة على صحتها النفسية خلال هذه الفترة الحرجة. - الاهتمام بالأشياء التي تهمها: إن معرفة الأب للنواحي الحياتية التي تهم ابنته، كهواياتها، أنواع الموسيقى المفضلة لديها وأصدقائها المفضلين، يجعل خوض الأحاديث المثمرة معها أسهل وأكثلر متعة للطرفين، حتى وإن كانت البدايات صعبة، فمع الوقت يصبح الأب جزءاً من العالم الخاص بابنته وسنداً لها في مواجهة العقبات والصعاب التي تواجهها في حياتها اليومية.
- تعليم الفتاة احترام ذاتها: إن أفضل وسيلة لذلك هو أن يحب الأب الأم ويعاملها بلطف واحترام، وأن يبدي لها ولدورها في العائلة التقدير، فمراقبة الفتاة لعلاقة أبيها مع أمها وأسلوب التعامل بينهما يعلمها الكثير عن العلاقات اللاجتماعية في الحياة، كما أنه يعزز لديها احترامها لنفسها، ولجسدها، ولأحاسيسها، مما يدعم موقفها وشخصيتها ويعطيها القوة العاطفية والنفسية لاكتشاف العلاقات التي تؤثر سلباً على حياتها والقدرة على الخروج منها بشكل سليم.
- تعليم الفتاة كيف تتلقى الصدمات وتدافع عن نفسها: يشعر الأب دوماً أنه مسؤول عن حماية ابنته في معترك الحياة، وتدريبها على الدفاع عن نفسها في مواجهة المصاعب والعقبات التي تواجهها، وهذا الأمر يزيد من نضجها العقلي والنفسي والعاطفي، ويعزز شعورها بقوتها وقدرتها على المواجهة والصمود أمام تحديات الحياة وتقلباتها.
- التوازن الدقيق بين إعطاء الحرية ووضع الحدود: وهو أمر صعب نوعاً ما لكنه أساسي وهام جداً، فالحرية المطلقة تسبب إفساد الفتاة وتجعلها غير ناضجة وقد تقودها إلى الانحراف والرذيلة، أما الحدود الصارمة والتقييد الشديد للحرية يسبب اختناق وتمرد المراهقة نتيجة رد الفعل تجاه قمع الرغبات والحرمان من الحرية، فالأفضل دوماً هو رسم خط دقيق يحافظ على التوازن بين الحرية والانضباط عند تعامل الأب مع ابنته.
- الغفران والمسامحة: تكثر بشكل عام الأخطاء والزلات في عمر المراهقة والشباب وهذا أمر طبيعي ولا مفر منه نظراً لتقلبات المزاج التي يعاني منها المراعقون والأفكار المتقلبة التي قد يختبرونها للمرة الأولى في عمر المراهقة أو حتى تحت تأثير عوامل خارجية كالأصدقاء أو وسائل التواصل الاجتماعية وغيرها، لذلك يجب على الأب تقبل أخطاء ابنته وتوجيهها لكي تتجاوزها، كما يجب تعليمها أن الخطأ هو جزء لا يتجزأ من عملية التعلم وتطوير الذات، ويجب على الأب عدم السماح لمشاعر الغضب والحقد على ابنته بالتسلل إلى قلبه مهما كثرت الزلات، فالتسامح والعفو وتقبل الأخطاء يغرس في قلب الفتاة محبة أبيها والثقة برأيه، الأمر الذي يعلمها اتباع الحق والصواب ويحميها من ارتكاب الهفوات الكبيرة مستقبلاً والتي تترك آثاراً قد تكون مدمرة لحياتها.
على الرغم من العلاقة المميزة التي غالباً ما تجمع بين البنت وأبيها منذ طفولتها المبكرة، إلا أن التغيرات العاصفة التي تمر بها الفتاة في مرحلة المراهقة قد تكون سبباً لتوتر هذه العلاقة وربما إفسادها على الأمد الطويل، لذلك على كل أب أن يعلم أهم المشاكل التي سيمر بها في مراهقة ابنته وكيف يجب أن يتعامل معها:
- الشعور بالانفصال العاطفي: شهور الانفصال العاطفي عند البنت المراهقة يتولد من عدم قدرة الأهل على استيعاب التغيرات التي تمر بها، ما يجعلها تشعر بالغربة عنهم وتفقد شعورها بالأمان الذي لطالما استمدته من والدها.
- الحزم المفاجئ: غالباً ما يظهر الأهل نوعاً مفاجئاً من الحزم والصرامة عندما تتخطى الفتاة سن الطفولة وتدخل في مرحلة المراهقة، ذلك مفهوم بالنسبة للكبار وربما يكون فيه شيء من الحكمة، لكن الفتاة المراهقة نفسها قد لا تستوعب الحزم المفاجئ والنوع الجديد من التعامل.
- فرض قواعد جديدة: من الأزمات التربوية التي قد يعاني منها الأهل هي تأجيل فرض القواعد السلوكية والأخلاقية حتى يكبر الطفل ويدخل في مرحلة المراهقة، عندها سيكون فرض هذه القواعد أشبه بعقوبة تجعل العلاقة متوترة بين الفتاة المراهقة ووالديها.
- العلاقة مع الجنس الآخر: على اختلاف أنماط تعامل الأب مع علاقة ابنته بالجنس الآخر؛ ستظل هذه القضية الهاجس الأكبر لدى الأب والبنت على حد سواء، لذلك قد يكون من الحكمة أن يمنح الأب ابنته الثقة اللازمة ليكون قريباً منها في علاقاتها العاطفية ومستعداً لحمايتها وتقديم العون لها دون تجريمها.
- القسوة غير الاعتيادية: يعبر بعض الآباء عن خوفهم من خلال القسوة المفرطة والمفاجئة وغير المبررة، فيسنون القوانين ويقرون العقوبات دون توضيح سبب هذه القسوة أو المخاوف التي تجعل الأب يقسو على ابنته المراهقة بعد أن كان ملاذها الأول.
- القضايا المالية: سوء تقدير الأب لاحتياجات ابنته المراهقة المالية قد يكون سبباً لتوتر العلاقة أيضاً، فدخول الفتاة في مرحلة المراهقة يعني أنها تتعرف على أنماط جديدة من الإنفاق، وتحتاج إلى متطلبات مختلفة عن التي كانت تحتاجها في الطفولة، هذا لا يعني أن على الأب منح ابنته المراهقة المزيد من المال بالضرورة، لكن عليه تقدير احتياجاتها المالية بشكل جيد، وأيضاً توضيح قدرته وطلب المساعدة من ابنته من خلال تقدير ظروفه المالية.
هناك بعض الوسائل والخطوات التي تسمح في حال اتباعها ببناء علاقة متينة مليئة بالثقة بين الأب وابنته المراهقة، وتجعل من التعامل مع الفتاة أسهل وأيسر، نذكر منها: [2]
- قضاء وقت مشترك معها: إن نوعية الوقت الذي يقضيه الأب مع ابنته أكثر أهمية من مدته، لذلك فإن تمضية الوقت معها والتواصل الفعال يضع الأسس والقواعد الهامة لبناء علاقة قوية تسودها الثقة والمودة بين الفتاة ووالدها، خصوصاً عند جعل الأولوية في هذا الوقت للنشاطات التي تحبها الفتاة وتهتم لها، كما أن الحوار المثمر والمفيد بين الأب وابنته يعزز قدرتها على التفكير السليم والمنطقي واتخاذ القرارات الحياتية الصحيحة.
- التعاطف معها وتفهّم احتياجاتها ومشاعرها: من الطرق الجيدة لبناء علاقة متينة بين الأب وابنته المراهقة هي أن يكون أكثر تفهماً واستيعاباً لأفكارها وتقلبات مزاجها والتي تكثر في هذه المرحلة، كما أن توفر الدعم العاطفي والمعنوي من الأب عند الحاجة أمر عظيم الأهمية وتقدره الابنة بشكل كبير، بالإضافة إلى محاولة رؤية الأمور من منظورها الخاص مما يجعل العلاقة أمتن وأفضل.
- التخفيف من ردود الفعل الحادة في التعامل معها: بالتأكيد إن مرحلة المراهقة تحمل في طياتها الكثير من التقلبات في مزاج وتصرفات الفتاة، لكن مع ذلك يجب على الأب أن يكون صبوراً وأن يستجيب بمحبة وهدوء لهذه التقلبات، مبتعداً عن ردود الفعل القاسية والعنيفة عند التعامل مع ابنته المراهقة وذلك حتى لا يشكل لديها موقفاً معارضاً لنصائحه ويهدم بينهما جسور الثقة والمحبة.
- تقبل علاقاتها وأصدقائها واستقبالهم في المنزل: إن مرحلة المراهقة هي أكثر مرحلة تتشكل فيها الصداقات والعلاقات الاجتماعية، وإنه من المهم والضروري عند كل فتاة أن تشعر بأن والدها يقدر علاقاتها وصداقاتها، وأن ما تحبه يلقى ترحيباً وقبولاً لدى أبيها، مما يزيد محبتها وتقديرها لوالدها ويعزز بينهما أواصر الثقة، لذلك فمن المستحب السماح لها بإقامة الحفلات الصغيرة لأصدقائها في المنزل والترحيب بهم من قبل الأهل، بالإضافة لإتاحة الخصوصية لهم لقضاء الوقت بالأنشطة التي يحبونها.
- الابتعاد عن العنف في التعامل معها: وهي أهم المبادئ في التعامل مع الطفل والمراهق، فالعنف يهدم علاقة الثقة بين الأب وابنته ويحولها إلى علاقة قائمة على الخوف والترهيب، مما يقود إلى خسارة محبة الفتاة لأبيها نهائياً، ويعزز لديها مشاعر الحقد والكره له، مما قد يؤدي إلى قيامها بردود فعل خاطئة وأفعال سيئة يكون لها نتائج وخيمة على حياتها في المستقبل.
- تجنب القلق والتوتر في التعامل معها: فكل مراهق يحاول الابتعاد عن الجو العائلي المشحون والمتوتر في محاولة لتحقيق الاستقرار والتوازن في حياته قدر الإمكان، لذلك فمن المفيد العمل على تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم ضمن العائلة والابتعاد عن القمع والتقييد المفرط للحرية، حتى لا ينفر المراهق من قضاء الوقت مع عائلته، ووالديه على وجه الخصوص.
وختاماً.. لا ننسى القول الشهير بأن "كل فتاة بأبيها معجبة"، وأن المرأة منذ طفولتها تنظر إلى الأب على أنه سند لها في مواجه متاعب الحياة ومخاوفه وظل تستظل به عندما تتكاتف عليها المشاكل وهموم الدنيا، لذلك فالعلاقة السليمة بين الأب والابنة تضمن لكليهما الاستقرار والطمأنينة مدى الحياة.