تأثير المخدرات على النساء وأضرارها الصحية والنفسية
يعتبر إدمان العقاقير والمخدرات من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع الإنساني في كل دول العالم، لما لها من آثار سلبية على بنية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، كما أنها تضع عبئاً كبيراً على منظومات الرعاية الصحية التي تبذل قصارى جهدها في تأمين الخدمات الطبية والتمريضية لأفراد المجتمع، لكن هل يختلف تأثر المخدرات بين الرجال والنساء وهل النساء أسرع إدماناً على المواد المخدرة من الرجال!ضرار
من الملاحظ أن تأثير إدمان المخدرات يكون أكثر شدة عند النساء مقارنة بالرجال، حيث بين المجلس العالمي للسيطرة على إدمان المخدرات (INCB) أنه بمجرد بدء تناول المرأة للمخدرات أو الأدوية التي يمكن أن تسبب الإدمان فإن احتمال تحولها إلى الإدمان الصريح وتسارع زيادة جرعات المادة المخدرة أكبر منه عند الرجل، كما أن نسبة العودة إلى الإدمان بعد المعالجة (الانتكاسة) أكبر عند المرأة أيضاً مقارنة بالرجال.
على الرغم من تشابه البنية التشريحية للأعضاء الداخلية في جسم الرجل والمرأة، إلّا أن جسد المرأة قد يكون أسرع تأثراً بالمواد المخدرة وقد تظهر عليها علامات الإدمان بشكلٍ أوضح، كمان أن النظام الهرموني في جسد المرأة أكثر تعقيداً وتقلباً، ما يجعل تعاطي المخدرات يتداخل يشكل مدمر مع عمل الهرمونات.
تظهر أكبر مخاطر المخدرات على النساء خلال فترة الحمل، من جهة تعاني المرأة المدمنة على المخدرات من مشاكل صحية كثيرة تؤثر على صحة الحمل، ومن جهة أخرى تنتقل المواد الضارة من الأم إلى الجنين مسببةً مخاطر عديدة أبرزها:
- سوء التغذية أثناء الحمل.
- تأثير المشاكل الكبدية على صحة الحمل والأم والجنين.
- الإجهاض وموت الجنين داخل الرحم.
- الولادة المبكرة قبل اكتمال نمو الجنين.
- عسر الولادة وصعوبة المخاض.
- مشاكل في تطور نمو الجنين.
- التشوهات الخلقية الهيكلية والعقلية، أبرزها تشوهات القلب وتشوهات الجهاز التناسلي عند الجنين.
- انتقال العدوى الفيروسية من الأم للجنين نتيجة استعمال الحقن الوريدية أثناء الحمل.
- العنف الأسري: إن النساء اللواتي يعانين من عنف يمارس عليهم من الزوج أو الشريك يزداد احتمال وقوعهم في شرك الإدمان وذلك كآلية للهروب من الواقع المرير الذي يعشنه، ومن هنا تعتبر البيئة الأسرية المفككة والعنيفة من أهم أسباب تعاطي المخدرات من قبل هؤلاء النساء.
- عوامل بيولوجية ووراثية: بينت الدراسات المجراة على نطاق واسع وعلى عدد كبير من النساء المدمنات أن التأهب الوراثي لإدمان المخدرات يلعب دوراً كبيراً وهاماً في سلوك التعاطي، وتوضح ذلك من خلال الدراسات على التوائم الذين تمت تربيتهم من قبل أسر مختلفة، فكان احتمال الإدمان على المخدرات عند الطفيلين التوأم لأبوين لهما تاريخ بتعاطي المخدرات مرتفعاً على الرغم من تربيتهما من قبل أسر أخرى لم يعاني أي من أفرادها من إدمان المخدرات.
- الاضطرابات العقلية والنفسية: إن وجود المرض النفسي لدى المرأة يزيد بشكل واضح من خطورة إدمانها على المخدرات، خاصة في حال التأخر في تشخيص المرض ومعالجته وبقاء الأعراض لفترة طويلة، حيث قد تحاول المريضة أن تلجأ لاستخدام المواد المخدرة أو الكحول في محاولة لتخفيف الأعراض على المدى القريب، لكنها بذلك تساهم في تدهور المرض وزيادة شدته على المدى البعيد، كما أن بعض الأمراض النفسية دون غيرها تترافق بزيادة كبيرة جداً في قابلية تعاطي المخدرات عند الأفراد الذين يعانون منها، مثل اضطرابات الشخصية واضطراب ثنائي القطب (والذي يحدث عند النساء أكثر بشكل ملحوظ منه عند الرجال) واضطرابات القلق.
- البيئة الاجتماعية المحيطة بالمرأة: في كثير من الأحيان يكون دور البيئة التي يعيش فيها الشخص هو العامل الأهم الذي يحدد سلوكه، وأكثر ما نجد ذلك في فترة المراهقة، حيث تعتبر أكثر مراحل تطور الشخصية حساسية وخطراً، وحسب الإحصائيات العالمية فإن أغلب حالات الإدمان تبدأ في هذه المرحلة العمرية وتستمر بعدها، ويشاهد ذلك من انجرار بعض المراهقات وراء تصرفات الأصدقاء والأقران في محاولة للانسجام معهم وتجنب الرفض الاجتماعي والوحدة، ومن هنا قد يبدأ سلوك التعاطي والإدمان في حال غياب الرقابة الأسرية على المراهقة.
هناك العديد من المشاكل والعوائق التي تقف في وجه تعافي النساء المدمنات من تعاطي المخدرات، كما أن هذه العوائق تشكل حاجزاً أمام تقديم الرعاية الصحية التي تحتاجها المرأة المدمنة على كافة الأصعدة:
- العوائق المتعلقة ببرامج إعادة التأهيل: في معظم الأحيان تنطوي برامج إعادة التأهيل والتعافي من الإدمان على العديد من التعقيدات التي تؤخر من علاج النساء المدمنات وبالتالي زيادة مخاطر فشل هذه البرامج، وأكثر ما يشاهد ذلك في الدول النامية حيث تفتقر برامج إعادة التأهيل فيها إلى المرونة والكفاءة والقدرة على التعامل مع احتياجات المرأة المدمنة.
- الموارد المالية والبشرية المحدودة: إن نقص تمويل مؤسسات الرعاية الصحية وبرامج إعادة التأهيل في البلدان النامية يشكل عائقاً أمام النجاح في علاج الإدمان على نطاق واسع في المجتمع، كما أن المراكز الصحية تعاني في كثير من الأحيان من نقص في الطاقم الطبي والتمريضي القادر على التعامل بمهنية مع احتياجات المرضى المدمنين لمساعدتهم على التعافي من إدمانهم.
- البطالة والتشرد: إن النساء اللواتي يعانين من مشكلة البطالة أو انعدام المأوى يصعب عليهم الانخراط والمتابعة في برامج إعادة التأهيل، وكثيراً ما يعاودن التعاطي بعد انتهاء هذه البرامج.
- الوصمة الاجتماعية: بسبب اعتبار فعل التعاطي على مر التاريخ جريمة يحاسب عليها القانون، فإن الكثير من النساء المدمنات قد لا يلجأن إلى طلب الرعاية الصحية بسبب خوفهم من الوصمة الاجتماعية، وهذا الأمر يؤخر من العلاج ويسبب فشله في كثير من الأحيان.
مما سبق يمكن أن نلاحظ ان تعاطي المخدرات مشكلة صحية لا تؤثر فقط على صاحبها بل على المجتمع المحيط به، وأن أسبابها لا تتعلق به وحده بل أيضاً بالمجتمع الذي ينتمي اليه وينشأ فيه، لذلك فإن علاج الإدمان هو قضية تعنى بها كافة المؤسسات الاجتماعية من الأسرة حتى المنظمات الاجتماعية المتخصصة، وذلك العلاج لا بد أن يتم تحت إشراف الطبيب المختص، فمرض الإدمان كغيره من الأمراض يمكن أن يكون خطراً حقيقياً على صحة الإنسان في حال فشل علاجه أو علاجه بالشكل الخاطئ.