الفرق في التفكير بين الرجال والنساء
أمور كثيرة هي محط خلاف بين الرجال والنساء مع الاعتقاد بأن كل خلاف يجب ان يكون فيه شخص على صواب والآخر على خطأ؛ لكن عند النظر أعمق يمكن اكتشاف أن سبب كل خلاف بين الجنسين اختلاف في التفكير، وطريقة التعاطي مع الأمور، بالإضافة لاختلافات بيولوجية هي التي تقود بالنتيجة إلى مسار تفكير معين، واهتمامات معينة، وذلك إما أن يفضي إلى خلاف عند بعض المواقف والمنعطفات وإما لا يؤثر كثيراً عند وجود نقاط تفاهم يتوصل إليها الرجل والمرأة بأي طريقة كانت. وهنا يبرز الفرق في التفكير بين الرجال والنساء موضوعاً ملحاً يستدعي التوضيح الذي نقدمه لك في هذا المقال.
التصرفات الظاهرة غالباً ما تكون وراءها أسباب كامنة وأفكار راسخة أو أسلوب تفكير مختلف، وهذا ما يمكن تلخيصه ببعض المحددات التي تحاول أن تفسر أسباب فرق التفكير بين الرجال والنساء، وماهية هذه الفروقات كما يلي: [1]
التفسير العلمي لذلك أن المرأة تتميز بتدفق دم مرتفع إلى دماغها في الحالة الطبيعية، ولاسيما إلى منطقة تسمى التلفيف الحزامي وهي المسؤولة عن ميل النساء إلى التركيز على الذكريات العاطفية أكثر من الرجال. وفي المقابل فإن هذا لا يعني أن الرجل يتجنب التفكير بتفاصيل الذكريات والأحداث الماضية بداعي الوعي وإنما لأنه ببساطة يفضل التفكير في أي قضية لفترة وجيزة ثم يحللها بسرعة وينتقل إلى مسألة أخرى مختلفة.
والسبب في ذلك أن النساء تتمتعن بجهاز حوفي أكبر وهو الجزء من الدماغ الذي يتحكم في العواطف ما يساعدهن على استكشاف المشاعر بشكل أكبر من الرجال، سواء تم التعبير عنها بصوت عالٍ أم لا؛ بينما قد يحتاج الرجال إلى مواقف معينة يتم توضيحها لهم لأنهم يميلون إلى الاعتماد على الحقائق والمنطق لمعالجة أي مشكلة.
كما أن النساء تستطعن تخزين المعلومات العاطفية والحسية ما يساعد في تقوية بنك الذاكرة لديهن، وفي الوقت ذاته فإن الرجال لا يهتمون بالكثير من التفاصيل مثل تاريخ ميلاد المرأة أو شكل فستانها أو مقاس حذائها لذا فإنهم عندما يتذكرون أي تفاصيل من هذا القبيل يكونون قد بذلوا جهداً كبيراً للقيام بذلك.
بالإضافة للاختلافات السابقة بالتفكير بين الرجال والنساء والمستندة إلى مبررات وتحليلات علمية، هناك تفسير بيولوجي مفصل لفروق التفكير بين الجنسين تم توضيحها على النحو التالي: [2]
لكن وجد من ناحية أخرى أن أدمغة النساء تستخدم المزيد من المادة البيضاء التي تربط مراكز المعالجة بينما تستخدم أدمغة الرجال بشكل أكبر المادة الرمادية، وهذا بالنتيجة يفسر سبب تفوق الرجال على النساء في المشاريع التي تركز على المهام بينما غالباً ما تتفوق النساء في مهارات اللغة وتعدد المهام التي تقوم بها في الوقت نفسه.
لكن من ناحية أخرى يميل الرجال إلى امتلاك روابط أقوى في الدماغ من الأمام إلى الخلف ما قد يؤدي إلى زيادة الإدراك ووظائف المنطق لديهم ومهارات حركية أقوى، بالإضافة إلى أن المخيخ قد يكون مختلفاً قليلاً بين الجنسين وله تأثير فعلي على السلوك والتفكير أيضاً.
ذلك كله إلى جانب أنماط معالجة الدماغ حيث تختلف كيمياء الدماغ بين الرجال والنساء؛ فبينما يعالج كلاهما نفس المواد الكيميائية العصبية إلا أنهما يعالجانها، على سبيل المثال: (السيروتونين) المرتبط بالسعادة والاكتئاب موجود لدى الرجال بنسبة غير الموجودة عند النساء وهذا يمكن أن يكون تفسيراً لكون النساء أكثر عرضة للقلق والاكتئاب من الرجال.
بما أن فروق التفكير لا تعني بالضرورة الخلاف حول أي مسألة قد تحدث بين الرجل والمرأة؛ لذا يجب توخي الانتباه في التعامل بين الجنسين، ويمكن اتباع إرشادات معينة بحيث لا تكون الاختلافات بالتفكير فيما بينهما طريقاً للمشاكل: [3]
- استمع إلى المرأة: نصيحة لتفادي أي خلاف قد ينجم عن اختلاف طريقة التفكير بين الرجل والمرأة أن يعمد الرجل إلى سماع المرأة بالدرجة الأولى، فعندما تشعر المرأة بأنها غير مسموعة ستصعّد الأمر دون وجود سبب موجب لذلك، كما توجه النصيحة للمرأة أيضاً بمحاولة الإنصات وإفساح المجال وعدم التضييق على الرجل بحيث يتاح له تبيين وجهة نظره.
- الخفاظ على مسافات للراحة: عند حدوث خلاف أو شجار أو نقاش محتدم بين الرجل والمرأة يكون هو بحاجة مساحة راحة يتوقف فيها الخلاف بينما يكون مرادها هي التفاهم والوصول إلى نهاية للخلاف مع صلح، لذا يتوجب على الاثنين فهم هذه الفكرة لمراعاة الطرف الآخر وعدم التسبب بجرحه أو إيذاء مشاعره، من الجيد أن يعطي كل من الطرفين الشخص الآخر ما يريده فهذا سيمهد للحل والتوصل لنقاط مشتركة.
- اكتشاف بعضكما من خلال الخلافات: عند مرور الرجال والنساء بتجارب خلاف وصلح مختلفة بينهم مع الاطلاع على ما يهم الطرف الآخر، فهذا يجعل كلاً منهما يفكر بطريقة للتقارب مع ذاك الطرف بدلاً من تسجيل نقاط ربح وخسارة، مع تفهم أسباب التصرفات التي تبدر من أي منهما.
- احترام الاختلافات الطبيعية: من الجيد أن يتعامل الرجال مع عاطفية النساء على أنها طبيعية وليست أمراً مستهجناً او غريباً وأن تتعامل النساء كذلك مع منطقية الرجال وجمودهم أحياناً على أنها طبيعية ومتفاوتة الدرجات بحسب ظروف معينة قد يمرون بها.
في الحقيقة هناك قدر كبير من الاختلافات بين الرجل والمرأة من النواحي البدنية والذهنية والنفسية، وفي الآونة الأخيرة واجهت بعض هذه الفروق محاولة لطمسها أو تهميشها ضمن دعوات المساواة بين الرجل والمرأة، مع أن هذه الفروق هي فروق طبيعية لا يمكن اعتبارها جزءً من العقلية الذكورية أو المعادية للنساء، والأغرب أن الرجال أعجبتهم فكرة طمس بعض هذه الفروق لينتقدوا النساء على بعص الصفات الطبيعية فيهن والتي لا يفترض أن تكون محط انتقاد!
في كتابه "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" يقول جون غراي أن إدراك وتذكّر الاختلافات الطبيعية بين الرجال والنساء من أهم مفاتيح تحسين التواصل بين الجنسين، وحالة إنكار هذه الاختلافات أو تجاهلها غالباً ما تقود إلى الصراع العقيم، فالرجال يعتقدون أن النساء يستجبن بنفس طريقتهم، وكذلك تعتقد النساء أن على الرجال التفكير بطريقتهن.
يقول غراي: "لقد نسينا أن الرجال والنساء يفترض أن يكونوا مختلفين، ونتيجة لذلك تكون علاقاتنا مليئة باحتكاكات وصراعات غير ضرورية، ومن الواضح أن إدراك واحترام هذه الاختلافات يؤدي إلى تناقص الارتباك بدرجة مذهلة حين نتعامل مع الجنس الآخر، وحينما نتذكر أن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة؛ فكل شيء يمكن فهمه!"
ختاماً.. الطبيعة البشرية محيرة أحياناً ولكنها مثيرة للفضول أيضاً، لذا سيكون ممتعاً التعامل مع الجنس الآخر على أنه يستحق الاكتشاف والمراعاة، لأن كل فعل يقابله رد فعل، وليس هناك طرف أفضل من الثاني ولا أفضلية لجنس على آخر؛ لكن الطبيعة المتفاوتة فكرياً بينهما أمر بيولوجي ونفسي مخلوق مع كل منهما، وهو ما يستحق التعامل بلطف وحذر وتفهّم أيضاً.