فن الرد على السخرية وكيف تتعامل مع من يسخر
فن التعامل مع السخرية والاستهزاء والرد على الكلام الجارح والإساءة من أهم المهارات الاجتماعية التي يريد الجميع اكتسابها، فالتعرض للسخرية شرٌّ لا بد منه، وإن كانت هذه السخرية أحياناً تأخذ شكل المزاح وبمثابة "نيرانٍ صديقة" من أشخاص نحبهم ونعرف أن نيتهم حسنة، لكن أثر السخرية علينا -خصوصاً عندما تكون أمام الناس- يظل مؤلماً، ولا شيء يخفف من وطأة التعرض للسخرية والاستهزاء سوى إجادة الرد عليها في وقتها!
أفضل طريقة للرد على السخرية والإساءة هي إظهار التماسك والقوّة بمواجهة الشخص الذي يسخر منك، لأن من يسخر منك يسعى لاستفزازك، وأهم ما يجب أن نتنبه له لإتقان فن الرد على السخرية ألّا تجعله قادراً على استفزازك أو الحصول على ردة فعل تشير إلى نجاح أسلوبه بالتأثير عليك، بل يجب أن تكون ردة فعلك رسالة واضحة له أنّه لن يستفيد من تكرار أسلوب السخرية والاستهزاء.
أفضل رد على الكلام الجارح هو عدم المبالغة بإظهار التأثر أو الألم بسبب ما يقال مهما كان قاسٍ، ويعتمد أسلوب الرد على الكلام الجارح والقاسي على طبيعة العلاقة التي تجمعك بالشخص، ففي بعض الحالات قد تحتاج فقط للتماسك والصبر ريثما يهدأ الشخص ويعود إليك معتذراً، وفي حالات أخرى أنت مضطر لمهاجمته بنفس قسوته ووضع حدٍّ له!
- لا تفقد أعصابك، وحافظ على الهدوء والاتزان في الرد على الكلام الجارح أو المهين، ولا تترك مجالاً لأحد أن يكتشف ما يجرحك أو يستفزك.
- قد تكون أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم! وعند التعرض للكلام الجارح والمسيء عليك أن تسعى لإحراج الشخص بالكلام من خلال الاستخفاف بما يقوله أو قلب الطاولة عليه.
- إذا كان الشخص الذي يقول لك كلاماً جارحاً شخص مقرب أو العلاقة التي تجمعكما لا تسمح لك بالرد عليه بقسوة، حاول مناقشته بالأمر في لحظة هدوء، ووضح له بشكل مباشر أنك تشعر بالضيق والانزعاج من طريقته في الكلام معك.
- اهتم بمعالجة نفسك من آثار الكلام الجارح والإساءة أكثر من اهتمامك بالانتقام أو رد الإساءة، وإن كان رد الإساءة في بعض الأحوال جزء من العلاج، لكن الأهم أن تحاول السيطرة على تفكيرك وصوتك الداخلي الذي يردد الإساءة ويضخمها.
- ابتعد عن الأشخاص الذين لا يحترمون مشاعرك، وتجنب التواجد بين الأشخاص الذي لا يشعرونك بالراحة.
إن أفضل طريقة للرد على من يسخر من شكلك هي إظهار ثقتك بنفسك ورضاك عن شكلك، وتأثير السخرية من الشكل والمظهر عليك يرتبط بشكل مباشر بنظرتك لذاتك، لذلك جزء أساسي من التعامل مع من يسخر من شكلك هو تعزيز رضاك عن مظهرك وشكلك وتقبّلك لذاتك، ثم مواجهة هذا الشخص ووضع حدٍّ له.
من فنون الرد على من يسخر من شكلك ومظهرك أن تشعره بالخطأ والذنب، وأنه بسخريته من مظهرك وملامحك أو لون بشرتك إنّما يسخر من خلق الله تعالى ويجحد بنعمته عليه، كما أن الذي يسخر من شكل غيره يدّعي الكمال في نفسه، وكلُّ إنسان يدّعي الكمال هو غافلٌ وأولى بالسخرية والشفقة ممّن أدرك في نفسه النقص.
في استشارة على مجتمع حِلّوها تشكو صاحبة السؤال من سخرية المقربين لها من شكلها، تقول إنها تتعرض للسخرية والاستهزاء بسبب لون بشرتها حتى من صديقاتها والمقربين لها، ما أوصلها لحالة من الاكتئاب والحزن المستمر وفقدان الثقة بنفسها.
أجابتها الخبيرة في موقع حِلّوها الدكتورة سناء عبده أن عليها الحذر من الوقوع في فخ الخجل من الذات والشكل، ونصحتها أن تنظر إلى نفسها نظرة الرضا عن خلق الله تعالى، فمن خلق الذين يسخرون منها هو من خلقها، ولا يجوز للمخلوق السخرية من عمل الخالق، وإن لم ترَ الجمال في نفسها فلن يراها أحد جميلة، كما نصحتها أن تلجأ إلى خيارات تحسين المظهر إن كانت ترى أنها بحاجة لها.
اقرأ الاستشارة كاملة وتفاعل القراء من خلال النقر على هذا الرابط.
ما أصبح اليوم يسمى "قصف الجبهات" لطالما كان من الفنون المعروفة والتي تناقل الناس أخبارها، فنسمع عن الردود الذكية والمفحمة عند العرب والتي تنم عن الفراسة وسرعة البديهة، وكذلك الردود المشهورة للكتاب والأدباء والمشاهير، والتي تضع الشخص الساخر في موقفٍ محرج يجعله نادماً ويبحث عن مخرجٍ من الحرج، ومن أجمل هذه الردود نذكر:
- أراد رجلٌ ثقيل الظل أن يحرج الشاعر الكفيف بشار بن برد، وهو المعروف بقباحة خُلقه وخَلقه، فقال له الرجل: ما حرم الله رجلاً من بصره إلّا عوّضه، فبماذا عوّضك. أجابه بشار بن برد: عوّضني بألّا أرى أمثالك!
- دخل رجلٌ أعرج على مجلسٍ فراح أحدهم ينظر إليه نظرة سخرية واستهزاء، ففهم الأعرجُ قصده، فقال له: أتعيب الصَّنعة أم تعيب الصانع! فشعر الرجل الجالس بالحرج وقال: والله وددتُ عندها أنْ أكون أنا مثله وهو مثلي.
- يحكى أن المتنبي كان قادماً على مجلسٍ من الرجال، فقال له أحدهم: رأيتك من بعيدٍ فحسبتك امرأة! فرد عليه أبو الطيب بسرعة: وأنا رأيتك من بعيدٍ فحسبتك رجلاً!
- يحكى أن كاتباً مغروراً قال للكاتب الساخر جورج برنارد شو: أنا أفضل منك! فأنت تكتب عن الثروة والمال وأنا أكتب عن الشرف. فأجابه جورج برنارد شو بسرعة بديهته المعروفة: كلٌّ منّا يكتب عمّا ينقصه!
- يقال إن امرأة غاضبة قالت لرئيس وزراء بريطانيا العظمى ونستون تشرشل: لو كنت زوجي لقدمت لك قهوةً مسمومة. فأجابها على الفور: لو كنتُ زوجك سأشربها فوراً!
- كان رجلٌ كبير في السن يمشي وظهره محني، فأراد شابٌ أن يسخر منه فقال: بكم القوس يا شيخ. فأجابه الرجل: إذا أطال الله عمرك يأتيك بغير ثمنٍ إن شاء الله.
- في جلسة طريفة بين حضورها الشاعران حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، قال حافظ إبراهيم من باب المزاح:
يقولون إنّ الشوقَ نارٌ وحرقةٌ .... فما بال شوقي أصبح بارداً
فرد عليه أمير الشعراء بسرعة بدهيته وبلاغته الشعرية:
استودعتُ إنساناً وكلباً أمانةً ... فضيعها الإنسان والكلبُ حافظُ!