خطوات وحكم صلاة الاستخارة وشروطها ودعاء
الاستخارة من الأفضال والنِعم التي منّ الله بها علينا، فهي الوسيلة التي تساعد المؤمن على الاختيار بين أمرين أو أكثر إذا دبّت في قلبه الحيرة، وقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلّم صلاة الاستخارة ودعاءها لتكون مرشدةً لنا في حيرة القلب والعقل، وفي الاستخارة أيضاً تقويةٌ لثقة الإنسان بربّه وتوكّلٌ عليه دون تواكل.
الاستخارة في اللغة تعني طلب الخيرة بين أمرين أو عدة أمور يكون الشخص مقبلاً عليها، والمعنى الشرعي للاستخارة أنها اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه وتفويضه ليختار للمستخير ما فيه خير، وذلك عندما يحتار في أمر من الأمور الدنيوية المباحة، وللاستخارة صلاةٌ ودعاء ولها شروط وأحكام.
الفرق بين الاستخارة والاستشارة
إن الاستخارة تكون بطلب العبد العون من الله لتيسير أمره، أما الاستشارة فتكون بلجوء العبد لشخص موثوق برأيه وهو أمر مستحب أيضاً فالرسول ﷺ كان يستشير أصحابه، كما يستحب أن تكون الاستشارة سابقة للاستخارة بحيث يستخير المسلم ما نصح به أهل الاستشارة.
كيف تكون الاستخارة
تكون الاستخارة من خلال صلاة ركعتين والدعاء لله بأن يختار له ما فيه خير له ويبعده عما فيه شر عليه، وصلاة الاستخارة صلاة حاجة وسنة مستحبة علمنا الرسول كيفية القيام بها وسنبين ذلك بالتفصيل.
متى يستخير المسلم؟
يلجأ المسلم لصلاة الاستخارة عندما يكون في حيرة من أمر، خاصة إذا كان هذا الأمر مصيرياً فيرجوا الله أن يبين له الخيار الصواب بين أمرين أو أن يبين له إذا ما كان قراره مصيباً أو لا، وذلك حتى يطمأن قلبه ويتوكل على الله وهو مرتاح الضمير.
هل تجوز الاستخارة للغير؟
الأصل أن يستخير الانسان لنفسه ولكن المذهب الشافعي والمالكي ذهبا إلى جواز الإنابة بالاستخارة مستدلين بقول النبي ﷺ "مَنِ استطاع منكم أنْ ينفعَ أخاهُ فَلْيَنْفَعْهُ" عن جابر بن عبد الله، أخرجه مسلم، بينما لم يتعرض المذهب الحنفي والحنبلي للأمر.
(اللَّهُمَّ إنِّي أَستَخيرُك بِعِلْمِك وأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِكَ العظيمِ فإنك تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ وتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ وأنت عَلاَّمُ الغُيوبِ. إنْ كان هذا الأَمْرُ خيرًا لي في ديني وعاقِبَةِ أمري فَيَسِّرْه لي واقْدُرْه ثم بارِكْ لي فيه وإنْ كان شَراًّ لي في ديني وعاقِبةِ أمري فاصرِفْه عَنِّي واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كان ثم رَضِّنِي به).
ويقرأ قبل التسليم في صلاة الاستخارة أو بعده ولكن الأولى أن يكون قبل التسليم فالنبي صلى الله عليه وسلّم كان أكثر دعائه قبل التسليم، رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم وأخرجه البخاري.
ليس لصلاة الاستخارة وقت محدد تقام فيه والدليل قول الرسول ﷺ "إذا هَمَّ أحَدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتَيْنِ مِن غيرِ الفريضةِ" عن جابر بن عبد الله، أخرجه البخاري، ولكن يشترط فيها أن تكون مستقلة عن الصلوات المفروضة، وهناك أوقات يستحب فيها الصلاة والدعاء بحيث لا يرد للمسلم دعاء بإذن الله ويمكن القيام فيها بصلاة الاستخارة، وهذه الأوقات:
- الساعة الأخيرة بعد العصر من يوم الجمعة: إن رسول الله ﷺ أوصانا أن نلتمس الدعاء في أخر ساعة من عصر يوم الجمعة ففيها الدعاء لا يرد "يومُ الجمُعةِ اثِنتا عشرةَ يريدُ ساعةً لا يوجَدُ مُسلِمٌ يسألُ اللَّهَ شيئًا إلّا آتاهُ اللَّهُ فالتمِسوها آخِرَ ساعَةٍ بعدَ العصرِ" عن جابر بن عبد الله، أخرجه أبو داود.
- الثلث الأخير من الليل: من الأوقات التي يستحب فيها الدعاء أيضاً الثلث الأخير من الليل فقد قال ﷺ "يَنزِل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ حين يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ فيقولُ من يسألُني فأُعطيَه من يدعوني فأستجيبَ له من يستغفرُني فأغفرَ" عن أبي هريرة، أخرجه البخاري ومسلم.
- الوقت بين الأذان والإقامة: يستحب القيام بصلاة الاستخارة والدعاء في الوقت بين الآذان والإقامة لقوله ﷺ "الدعاءُ لا يُردُّ بين الأذانِ والإقامةِ" عن أنس بن مالك، أخرجه أبو داود.
- ليلة القدر: لهذه الليلة مكانة عظيمة عند الله فهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم ويستجاب فيها كل دعاء فيمكن القيام بصلاة الاستخارة في ليلة القدر والدعاء لله وبإذنه تعالى لن يرد الدعاء.
- صلاة الاستخارة خارج أوقات النهي: يستحب أن تكون الاستخارة خارج أوقات النهي وهو الوقت الذي تكون فيها الصلاة مكروهة، وتكون بعد القيام بصلاة الفجر حتى ترتفع الشمس، وعند قيام الشمس في وسط السماء إلى أن تزول، وبعد القيام بصلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.
إن المستخير يعلم نتيجة استخارته من خلال علامات القبول والتي هي ميل القلب إلى أمر دون الآخر وانشراح الصدر له وتيسير أحد الأمرين، أما علامات عدم القبول وتكون من خلال حصول عقبات ومشاكل على أسباب تافهة أحياناً، فبعد الاستخارة يكون المستخير أمام ثلاث حالات:
- الإقبال والميل تجاه أمر والتخلص من الحيرة والقلق تجاهه وتيسيره مما يعني أن علامة الاستخارة هي القبول وأن الله اختار له هذا الأمر.
- حدوث مشاكل وعراقيل للأمر، مع انصراف نفس المستخير عنه وانعدام رغبته به وذلك يعني أن الله أبعده عنه فلا خير فيه.
- البقاء في حالة تردد وحيرة وبهذه الحالة على المسلم أن يعيد استخارته حتى يحصل على الاستجابة أو يستشير أهل الثقة والعلم.
إن الاستخارة سنة عن رسول الله ﷺ بإجماع الفقهاء وهي مستحبة في كل أمر دنيوي واستدلوا على ذلك من خلال الأحاديث الواردة عن الرسول:
- "مِن سَعادةِ ابنِ آدَمَ استِخارَتُهُ اللهَ، ومِن سَعادةِ ابنِ آدَمَ رِضاهُ بما قَضى اللهُ، ومِن شِقْوةِ ابنِ آدَمَ تَركُهُ استِخارةَ اللهِ، ومِن شِقْوةِ ابنِ آدَمَ سَخَطُهُ بما قَضى اللهُ عَزَّ وجَلَّ" عن سعد بن أبي وقاص، أخرجه الترمذي، فالاستخارة مشروعة وهي رحمة من الله بعباده ليوجههم نحو الطريق الصحيح ويبعد عنهم المكروه.
- "ما خابَ منِ استخارَ ولا نَدِمَ منِ استشارَ ولا عالَ منِ اقتصدَ" عن أنس بن مالك، أخرجه الطبراني، كذلك يعتبر هذا الحديث دليلاً على أهمية الاستخارة في حياة المسلم.
- "إذا هَمَمْتَ بأمْرٍ فاستَخِرْ ربَّكَ سَبعًا، ثم انظُرْ إلى الذي يَسبِقُ في قَلبِكَ؛ فإنَّ الخيرَ فيه" عن أنس بن مالك، أخرجه ابن السني، وهنا يوصينا الرسول ﷺ بأن نستخير ونلجأ إلى الله في كل أمر.
- وكذلك عن جابر بن عبد الله أنه كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنا الاستخارةَ كما يُعَلِّمُنا السورةَ مِن القرآنِ، فلو لم تكن الاستخارة مشروعة وحاجة للمسلم لما كان الرسول ﷺ ليعلمها للناس كما يعلمهم القرآن.
- حكم دعاء الاستخارة دون صلاة: إن دعاء الاستخارة بدون صلاة جائز في حال كان الإنسان على عجلة من أمره وإن كان الأكمل أن يقوم المستخير بالجمع بين الصلاة والدعاء، أما في حالة المرأة الحائض أو النفساء والتي لا تستطيع الصلاة فيجوز لها الدعاء بالاستخارة بدون صلاة وذلك بإجماع الفقهاء.
هناك العديد من الفوائد التي تتجلى لصلاة الاستخارة ولها فضل كبير فهي:
- تقرب العبد من ربه: إن الاستخارة تقرب العبد من ربه وذلك لأنه يرافقها الصلاة والدعاء وهي دليل على ثقة العبد بربه ورضاه بما قسمه وتعلق قلبه بالله جل جلاله والرجوع إليه في كل أمور دنياه.
- تورث المؤمن الراحة: إن صلاة الاستخارة طريق للطمأنينة والراحة ففيها مخرج من الشك والحيرة حيث تجعل المؤمن راضي بما قسمه الله، موقناً أنه جل جلاله قد اختار له الخير.
- سنة عن الرسول: إن في الاستخارة اتباع لسنة الرسول وتحصيل بركتها فقد كان الرسول ﷺ يستخير الله في كل أمر عصي عليه، وفي الاقتداء بالرسول ثواب وأجر.
- التوفيق من الله: المسلم المتكل على ربه والعائد إليه في كل أمر طالباً مرضاته أولاً والتوفيق منه ثانياً فإن الله سيدله على طريق الخير ويبعد عنه كل شر.
- تجعل المسلم راضياً وقنوعاً: إن الاستخارة ترسخ في نفس المؤمن الرضا والقناعة لأنه يعلم أنه ما من أمر حُجب عنه إلا كان شراً أبعده الله عنه، وأنه ما من شيء وفقه الله به إلا لأن فيه خيراً له.