حكم الرقية الشرعية في الإسلام ومتى تكون محرمة
تعتبر الرقية الشرعية أحد الوسائل التي يلجأ من خلالها المسلم لله تعالى طالباً الشفاء والتحصين من المرض والشرور كافة، وللرقية الشرعية أحكامٌ وشروط حتى تكون صحيحة ومطابقة لسنَّة النبي صلى الله عليه وسلّم، والإخلال بشروط الرقية الشرعية قد يصل حد الشِرك والعياذ بالله.
حكم الرقية الشرعية في الإسلام أنها جائزة ومباحة طالما كانت الرقية بآيات وسور القرآن الكريم وأسماء الله الحسنى والسنة النبوية المثبتة من أحاديث وأذكار، والتوسل لله والدعاء له مع الأخذ بالأسباب، والإيمان بأن الله وحده هو الشافي المعافي من كلّ شرٍّ ومرض وليست الرقية الشرعية بذاتها سببٌ للشفاء أو التحصين، وليس للراقي يدٌ في نتائجها أو كرامة خاصة.
والرقية معروفةٌ منذ الجاهلية وعند غير العرب أيضاً، لكن بعض أشكال الرقية كان يعتمد على التمائم والنصوص المبهمة والطلاسم وأعمال السحر والشعوذة، وما يميز الرقية الشرعية -وهو أهم شروطها- أنها تكون بكلام الله تعالى وأسمائه العليا وحديث نبيه صلّى الله عليه وسلَّم دون غيره، ولا يكون فيها إيمانٌ أو اعتقادٌ إلّا بالله تعالى أنه سبب الشفاء والتحصين ومالك الأمر، ولا يجب لتمامها اللجوء لشخص آخر يعتقد أن له كراماتٍ خاصة.
- حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: "اعرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شركٌ" وهو الدليل أن الرقية الشرعية مباحة للمسلم بشرط ألّا يكون فيها الشرك، واتفق أهل العلم أن الشرك في الرقية يكون في القول كاستعمال الطلاسم والكلمات غير المفهومة، أو بطلب الشفاء أو التحصين من غير الله تعالى.
وقصة الحديث أن الناس سألت النبي صلّى الله عليه وسلَّم إن كان في الرقية التي عرفوها في الجاهلية إثمٌ عليهم، فأباحها لهم إن لم يكن فيها شرك بالله تعالى، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "كُنَّا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في ذلكَ؟ فَقالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ" أخرجه مسلم في الصحيح. - كان جبريل عليه السلام يرقي الرسول صلّى الله عليه وسلَّم من المرض والسحر، مما يعني أن الرقية مباحة شرعاً ولا تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، ومن رقى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلّم: "بِسمِ اللهِ أَرقِيكَ، مِن كلِّ شيءٍ يُؤذِيكَ، مِن شرِّ كلِّ نَفسٍ، وعَينِ حاسِدٍ، بِسمِ اللهِ أَرقِيكَ، واللهُ يَشفِيكَ" عن أبي سعيد الخدري، وأخرجه مسلم في الصحيح.
- أوصانا النبي عليه الصلاة والسلام بالرقية الشرعية للمريض، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حيثُ تَشْتَكِي، ثُمَّ قُلْ: بسمِ اللهِ، أعوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وقُدْرَتِه من شرِّ ما أَجِدُ من وجَعِي هذا. ثُمَّ ارفعْ يَدَكَ، ثُمَّ أَعِدْ ذلكَ وِتْرًا" أخرجه الترمذي.
- عن عثمان بن العاص الثقفي أنه كان يشكو من ألمٍ في جسده، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلّم: "ضَعْ يَدَكَ علَى الَّذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ، وَقُلْ: باسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ". رواه مسلم في الصحيح.
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين رضي الله عنهما بهذه الكلمات: "أَعُوذُ بكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وورد في صحيح البخاري، واقتداء بأفعال الرسول صلّى الله عليه وسلَّم نستدل أن الرقية جائزة شرعاً وهي من السنة.
- ومن الأدلة أيضاً على استحباب الرقية الشرعية عند المرض ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَأْمُرُها أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ" أخرجه مسلم في الصحيح.
يجوز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية إن كان الراقي مسلماً سليم النيّة ويعرف شروط الرقية وموانعها ويلتزم بها، والدليل على جواز أخذ الأجرة لقاء قراءة القرآن على المريض والرقية أن جماعة من الصحابة نزلوا في حي من أحياء العرب أثناء سفرهم، ولدغت سيد القوم عقربة فجاؤوا يطلبون الرقية من الصحابة، فطلبوا منهم مقابلاً للرقية، ولما كان شفاء الملدوغ بالرقية التي رقوه بها لم يقبل الصحابة المقابل حتى يستشيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أجازها لهم واقتسمها معهم، رواه أبو سعيد الخدري وأخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.