علاقة علم النفس بالعلوم الأخرى
يهتم علم النفس بدراسة ردود الأفعال النفسية التي تنتج عن التغيرات التي يتعرض لها الفرد سواء كانت بيئة أو اجتماعية أو جسدية، كما يهتم علماء النفس بدراسة تأثير العمليات العقلية على وظائف الحياة من أجل معرفة قدرة التكيف النفسي للكائن الحي مع البيئة بشكل عام، ومن أجل معرفة كل هذه المجالات كان لابد من دراسة علاقة علم النفس بالعلوم الأخرى المختلفة كالفلسفة وعلم الاجتماع، وعلاقة علم النفس بالطب أيضاً كل هذا وأكثر من التفاصيل سوف نعرفها من خلال هذا المقال.
هناك علاقة قوية تربط علم النفس بمعظم العلوم التطبيقية والإنسانية، حيث يتفاعل علم النفس مع علم الاجتماع في دراسة السلوك الاجتماعي، ويرتبط بالطب البشري لفهم التفاعل بين المشاكل الصحية والنفسية، كما تظهر العلاقة قوية بين علم النفس وعلوم التسويق والتجارة من خلال دراسات سلوك المستهلك، فضلاً عن الدور الكبير الذي يلعبه علم النفس في مجالات التربية والتعليم، واعتماد المؤسسات القضائية والأمنية على علم النفس في فهم السلوك الإجرامي ووسائل الحد منه.
العلاقة القوية بين علم النفس والعلوم الأخرى مثل التربية وعلم الاجتماع والعلوم الجنائية؛ أدّت إلى نشوء علوم جديدة تحمل اسم علم النفس والعلم الآخر المرتبط به، مثل علم النفس التربوي وعلم النفس الجنائي وعلم النفس الاجتماعي.
وتعتبر العلاقة بين علم النفس والعلوم الأخرى علاقة تبادلية، حيث يستفيد علم النفس من علم الأعصاب في فهم عمليات الدماغ البيولوجية والاستجابات المرتبطة بها، كما يستفيد علم النفس من الرياضيات وعلم الإحصاء في إجراء دراسات دقيقة واستخراج مؤشرات مفيدة، وقد يكون الترابط أقل قوّة حيث تستفيد الهندسة المعمارية من علم النفس في بناء بيئة مناسبة تحقق الهدف من البناء، ويستفيد علم النفس من الهندسة بالحصول على تصاميم مناسبة للمصحات أو العيادات النفسية.
يرتبط علم النفس مع علم الاجتماع ارتباط وثيق حيث يكمل كل منها الآخر بعدة نواحي في فهم وتفسير الظواهر الإنسانية، وسوف نوضح بعض النقاط الهامة حول علاقة علم النفس بعلم الاجتماع:
اهتمامات علم الاجتماع وعلم النفس
بينما يدرس علم النفس كل ما يتعلق بالفرد من حيث طبيعته النفسية، وما الذي يؤثر بها، والمشاكل التي تتعرض لها هذه النفس، وطريقة بنائها ومكوناتها، يذهب علم الاجتماع لدراسة المجتمعات والنظم والاجتماعية والسلوك الجمعي، وكيف تتأثر المجتمعات ببعضها، وما الأشياء أو الأحداث التي تسبب التغيرات الاجتماعية مثل التغيرات السياسية أو الاقتصادية أو الحروب أو الكوارث.
نقاط التشابه بين علم النفس وعلم الاجتماع
يعتبر كل من علم النفس وعلم الاجتماع من العلوم الإنسانية ويشتركان في دراسة الإنسان والظواهر الإنسانية وكيف يؤثر الفرد في المجتمع وكيف يتأثر به، فمثلاً يمكن من خلال هذا التشارك تفسير لماذا بعض الأشخاص الانطوائيين يبدؤون بتغيير سلوكياتهم مع تغيير المحيط مثل انخراطهم مع الأصدقاء والخروج عن الانطوائية، وكمثال آخر قد يتأخر نطق الطفل بشكل مرضي ويكون غير قادر على التحدث بشكل مفهوم نتيجة لمحيط عام يخضع له فمثلاً قد لا يتحدث نتيجة خوفه من محيطه، ولكن مع بدء دخوله إلى المدرسة قد يصبح نطقه أفضل وأسرع، وتعود دراسة هذه المشكلة وتفسيرها إلى تشارك علم النفس مع علم الاجتماع.
نقاط الاختلاف بين علم النفس وعلم الاجتماع
يختلف علم الاجتماع عن علم النفس بأن علم الاجتماع لا يهتم بالنواحي العصبية والنفسية على العكس يهتم بإيجاد حلول لمشكلات المجتمع، ويحاول التغيير على المستوى الكلي وليس الفردي، ويدرس العوامل الاجتماعية ومدى تأثيرها على الشخصية، وبالمقابل يهتم علم النفس بالحالة النفسية والعصبية للشخص وإيجاد حلول لمشكلات الفرد الخاصة ويساعده على إيجاد حلول لهذه المشكلات ليصبح شخصاً أفضل من الناحية النفسية والاجتماعية.
فوائد الربط بين علم الاجتماع وعلم النفس
كما ذكرنا فإن العلمين يكمل كل منهما الآخر، فبينما يقدم علم النفس لعلم الاجتماع النظريات والفرضيات لتفسير سلوك الإنسان كفرد في المجتمع وكيف يؤثر هذا السلوك على المجتمع والنظم والتغيرات الاجتماعية، بالمقابل يقدم علم الاجتماع نظرياته ومعارفه لتساعد علم النفس في حل بعض المشاكل النفسية، أو تفسير بعض الظواهر النفسية، مثل علاج مشكلة الخجل والانطوائية النفسية من خلال العمل على دمج الفرد أكثر مع أفراد مجتمعه ومنظماته.
نتائج العلاقة بين علم النفس وعلم الاجتماع
شدة وقوة الارتباط وربما التداخل بين علم النفس وعلم الاجتماع كان من أهم نتائجها ظهور علم النفس الاجتماعي الذي يعد فرع أو قسم لكلا العلمين، ويهتم هذا العلم بدراسة الظواهر النفسية ذات المنشأ الاجتماعي والعكس، فمثلاً يتأثر الفرد بثقافة مجتمعه وعاداته وفي تشكيل طباعه الشخصية وبعض أفكاره ومعتقداته وقيمه وبالتالي ردود فعله وسلوكياته، ويعتبر هذا التأثير جوهر دراسة علم النفس الاجتماعي.
كان ينظر لعلم النفس بأنه مجرد علم تنظيري لا يمكن التأكد من نتائجه ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل كبير في علاج المشاكل الصحية للإنسان، ولكن مع الوقت وتطور مفاهيم علم النفس أصبح معروف أنه لا يمكن فصل الحالة النفسية للمريض عن الحالة الجسدية وأصبح كلا العلمين شديدي الترابط فيما بينهما.
علم النفس وعلاج الأمراض
يدرس علم النفس أثر الإصابات والأمراض الجسدية على الحالة النفسية، وسلوكيات الأفراد، مثل مرضى السرطان أو الإيدز أو العاهات المستديمة، كلها أمراض جسدية تؤثر على الحالة النفسية للمرضى وتتأثر بها، فهي لها دور في تحسن أو سوء الحالة
كما يعالج الطب بعض الأمراض ذات المنشأ النفسي مثل أمراض اضطرابات الطعام، وتعاطي المخدرات، والكحول، والاكتئاب، والفصام، والإعاقات العقلية، كلها أمراض جسدية ذات منشأ غالباً نفسي حصلت نتيجة تفاقم اضطرابات نفسية من الأساس، لذلك لا يمكن فصل الأمراض الجسدية عن الحالة النفسية للمريض على الإطلاق.
نقاط التشابه بين علم النفس والطب
يشترك علم النفس مع الطب بأن كلاهما يبحث عن وسائل لفهم مرض الإنسان وطبيعته الجسدية والنفسية، وطرق علاج هذه الأمراض، فبينما يهتم علم النفس بمكونات النفس البشرية ومشاكلها وطرق علاجها، يسعى الطب لفهم جسد الإنسان وطبيعته وأمراضه وطرق علاجها.
نقاط الاختلاف مع الطب
علم النفس يعتبر علم نظري فهو يفسر الظواهر النفسية للإنسان من خلال وضع الفرضيات والنظريات وملاحظة النتائج، للتأكد من هذه النظريات، أما الطب فالتجربة تعتبر وسيلة متاحة به ما يجعله أكثر عملية ويمكن التأكد من نتائجه بطريقة أدق وتحويل هذه النتائج إلى اكتشافات يعتمد عليها الطب في علاج الأمراض.
فوائد الربط بين الطب وعلم النفس
لكلا العلمين الطب وعلم النفس فوائد عديدة لعلاج مشاكل الإنسان وفهم ظواهره الجسدية والنفسية، وعند اتحاد جهود كلا العلمين بمعارفه واكتشافاته ونظرياته يمكن الوصول لنتائج أفضل في فهم هذه الظواهر وعلاج أي مشكلة يتعرض لها.
نتائج العلاقة بين علم النفس والطب
يعتبر ظهور الطب النفسي كفرع من فروع الطب البشري تتويجاً للعلاقة بين العلمين، ويبحث الطب النفسي في وسائل علاج الأمراض والاضطرابات النفسية بوسائل وأدوات الطب، فقد يكون الاضطراب النفسي ذو منشأ جسدي مثل خلل هرموني معين ويمكن للطب النفسي وصف الدواء المناسب لهذه الحالة لتخفيف أعراض المشكلة النفسية.
كما يمكن للمرض الجسدي أن ينتج عن حالة نفسية مثل التعب والوهن وفقدان الشهية، الناتجين عن مشاعر الاكتئاب، وهنا يعالج الطب النفسي هذه المشكلة النفسية بهدف التخلص من العرض الجسدي المصاحب لها.
يرتبط علم النفس بعلم التربية من خلال البحث عن أفضل الوسائل لإيصال المعلومة التربوية لذهن الطفل بشكل مبسط، وفهم طبيعته النفسية من أجل العمل على تلقينه المعلومات الصحيحة بالطريقة التي يفضلها.
اهتمام علم التربية بمفاهيم علم النفس
يهتم رواد التربية بتطبيق مفاهيم علم النفس عند تعليم الأطفال، لأنه من خلال علم النفس يمكن فهم احتياجات الطفل وأفكاره، فهو غير قادر على التعبير عما يريد، ويمكن من خلال فهم متطلباته التوصل إلى طريقة صحيحة يفهمها ويتم من خلالها إيصال الأفكار له، لتوضيح المفاهيم التعليمية التربوية.
فوائد ارتباط علم النفس بعلم التربية
ارتباط علم النفس بعلم التربية أعطى نتائج إيجابية واضحة حيث تم العمل لإيجاد وسائل تربية أفضل من الوسائل التقليدية، والتي من خلالها يتم توعية الأطفال وترغيبهم بالتعليم، مع تنمية مواهبهم ومعرفة ميولهم الدراسي، ومساعدتهم في وضع أهداف لحياتهم، فهذا يساعدهم أيضاً على بناء شخصيتهم المستقلة بطريقة صحيحة، وليس فقط إعطائهم المعلومات المطلوب فهمها وحفظها.
نتائج ارتباط علم النفس مع علم التربية
إن ارتباط هذين العلمين مع بعضهما أدى إلى ظهور ما يسمى بعلم النفس التربوي، وهذا العلم يساهم في التأثير على سلوك الأطفال الاجتماعي وتوعيتهم مع مساعدة كل فرد بالتوجه نحو تعلم ما يحب، لتحقيق أهدافه، بالإضافة إلى المساهمة في جعل الطفل يرغب بالتعلم ولا ينفر من المكان.
نقاط التشابه بين علم النفس والتربية
إن بحث علم النفس في سلوك الأفراد، جعله يتشابه مع علم التربية الذي يسعى إلى التأثير الإيجابي على سلوك الأطفال، ويمكن تحقيق هدف جعل الأطفال أعضاء فعالين في المجتمع من خلال ارتباط العلمين مع بعضهما فهما يحققان التعليم الصحيح والسلوك الجيد ومن هنا نشأت مفاهيم علم النفس التربوي وعلم نفس الطفل.
ضرورة ارتباط علم النفس بالتربية
بعد التوصل للنتائج الإيجابية بمشاركة العلمين أصبح من الضرورة الابتعاد عن الطرق التقليدية في التعليم، والاهتمام بنفسية الطفل قبل الاهتمام بمدى استيعابه للمعلومات المقدمة له، ففي حال عمل المدرسين على ترغيب الطفل وجعله يحب المكان والمدرسة هذا سوف يؤدي بشكل تلقائي إلى تحسن قدراته التعليمية وزيادته رغبته بالنجاح.
يرتبط علم النفس بالفلسفة من خلال بحث العلمين عمّا وراء الأشياء والأفكار للوصول إلى الحقيقية بشكل عام، وحقيقة الشخص نفسه، حيث يمكن فهم هذا الارتباط من خلال:
اهتمامات علم النفس والفلسفة
الفلسفة عبارة عن فكر إنساني قائم على وضع الافتراضيات والنظريات التي ترتبط بكل أنواع العلوم الإنسانية، ويعتمد على التحليل والتأمل في الظواهر والمشكلات، فهي بشكل عام أسلوب تفكير يحاول الإجابة على تساؤلات الحياة بحثاً عن الحقيقة.
أما علم النفس فهو مجموعة من الدراسات العلمية التي تهدف إلى تفسير السلوك البشري وشخصيات الأفراد للتوصل إلى فهم دوافع السلوك وتفسيرها والتحكم فيها.
نقاط تشابه علم النفس مع الفلسفة
على الرغم من استقلال علم النفس كعلم خاص بعيداً عن الفلسفة إلا أنه حافظ على نفس أسلوب التفكير والبحث في الأشياء الكونية لتبسيط المفاهيم العميقة التي تؤثر على النفس البشرية والسلوك الإنساني، ويخرج العلمان بعد دراسة الظواهر العديدة بنتائج هامة تفسر وجود الإنسان وتساعده في فهم حياته وتطورها وكيف ينعكس هذا على شخصيته الخاصة.
نقاط اختلاف علم النفس مع الفلسفة
تختلف الفلسفة عن علم النفس بالاستفسارات التي توضحها، والمفاهيم التي تدرسها، فهي تدرس الهدف من وجود الإنسان، وتبحث في الإجابة عن سؤال من أنا؟ ولماذا وجدت؟ مع التفكير في مراحل تطور الإنسان، وكيف يمكن أن يؤمن حياة جيدة، وتبحث في كيفية تأثير الكون بشكل عام في تطور الأشخاص، وماذا يوجد بعد الموت.
وبالتالي تفسر الوجود بشكل كامل، أما علم النفس فيبحث في أعماق النفس البشرية ويحاول تفسير الأمور الإنسانية الفردية وتأثير المحيط على الشخص نفسه وعلى طباعه وسلوكه، ويفسر أيضاً تأثير البيئة التي نشأ بها الشخص على بناء شخصيته.
فوائد الربط بين علم النفس والفلسفة
الفلسفة هي أم العلوم والتي تفرع منها علم النفس واستقل فيما بعد، وارتباط علم النفس بالفلسفة أدى إلى إكمال ما بدأت الفلسفة بتفسيره بشكل أكثر واقعية، فالفلسفة (Philosophy) هي كلمة يونانية تعني حب الحكمة لذلك تدرس المشكلات الأساسية الملموسة التي تتعلق بالقيم والوجود والمعرفة والعقل، وعلم النفس كلمة يونانية أيضاً (psychology) تعني دراسة الروح البشرية فهو يساعد الفلسفة في تفسير المفاهيم العقلية غير الملموسة كالإدراك والانتباه والشخصية والسلوك والعاطفة.
نتائج العلاقة بين علم النفس والفلسفة
كما ذكرنا فإن الفلسفة علم تأملي تنظيري يعتمد على وضع الفرضيات والنظريات لتفسير أي ظاهر، واستخدام هذه الوسيلة في علم النفس أدت لحدوث تطور كبيرة في أدوات ومناهج هذا العلم.