أسباب الخوف من المستقبل وكيف تتخلص منه
التفكير في المستقبل شيء ضروري وأساسي أثناء التحضير لحياتنا ورغباتنا ووضع الخطط المناسبة لأهدافنا، وهو شيء مشروع، بل مطلوب في الكثير من الحالات، ولكن قد يتحول هذا التفكير للخوف من المستقبل وحالة من التشاؤم وقد تتشكل لدى البعض هواجس عديدة نتيجة كثرة التفكير، فلماذا نفكر بالمستقل وما سبب الخوف منه، وكيف يمكن أن نفكر بالمستقبل بشكل إيجابي؟
التفكير بالمستقبل من وجهة نظر علم النفس يعتبر من مميزات النفس البشرية، حيث يمتلك الإنسان القدرة الاستثنائية على التخطيط للمستقبل البعيد وتحليل المقدمات وتوقع النتائج أو تمنيها، ويعتبر التفكير بالمستقبل أشبه بفطرة إنسانية لا يمكن التغلب عليها أو إسكاتها، لكن هناك الكثير من العوامل البيئية والتربوية والشخصية التي تتحكم بنوعية ومقدار التفكير في المستقبل، وتأثيره على حياة الفرد.
ويشكّل التفكير بالمستقبل عملية معقّدة يمارسها الإنسان بناء على عدد كبير من المعطيات والأفكار التي يكتسبها خلال رحلته في الحياة، حيث يفكر الأطفال بالمستقبل من وجهة نظر الكبار الذين يخبرونهم كيف سيكون مستقبلهم، ثم تتداخل العديد من العوامل مثل التجارب الشخصية والثقافة والمعايير الاجتماعية وغيرها لتحدد الطريقة التي يفكر فيها الفرد بمستقبله، بل وإلى أي درجة يخاف من المستقبل أو ينظر إليه بنظرة تشاؤمية.
لا يتمثل التفكير الإيجابي بالمستقبل بأحلام اليقظة المثالية، فرغم ضرورة التفاؤل بالمستقبل لكن ليس للحد الذي يجعلك تحلم بشيء يتجاوز قدراتك الفعلية أو أهداف مستحيلة التحقيق.
يقول عالم النفس في جامعة نيويورك غابرييل أوتينجين: "كلما فكر الناس بشكل إيجابي وأحلام اليقظة حول المستقبل، قل الجهد المبذول لتحقيق ذلك المستقبل". فبقدر ما تكون هذه التخيلات ممتعة فإنها تقلل من الصحة العقلية والجسدية، ما يؤدي إلى الشعور بالخيبة وفقدان الثقة والفشل في الاستمرار، وكذلك عدم اليأس والتشاؤم بالمستقبل والخوف، حيث يزداد احتمال الفشل والإحباط بسبب الارتباك والتردد لمحاولة التطور.
التفكير الإيجابي في المستقبل يتمثل في وضع الأهداف المنطقية واستثمار كل ما بين يديك وإن كان بأقل الإمكانيات للحصول على مستقبل ناجح مع توقع الخسارة والفشل وتكرار المحاولات وتصور العقبات التي قد تواجهك، ما يجعلك فعلاً قادر على التطور لمستقبل أفضل يتناسب مع مهاراتك والموارد المتاحة أمامك.
- معرفة الحاجات والاستعداد لها: يساعد التفكير في المستقبل في تحديد الاحتياجات التي يجب توافرها للاستمرار في الحياة والعمل على توفير المستلزمات اللازمة لتحقيق هدفه في المستقبل، فعلى سبيل المثال إذا أقبل شاب على الزواج يجب عليه التفكير في المستقبل الجديد وضريبته، فالزواج ليس فقط عبارة عن حفل زفاف بل هناك مسؤوليات متوالية، كالأطفال والمصاريف التي تحتاج للاستعداد الكافي.
- معرفة الموارد وكيفية تقسيمها: التخطيط للمستقبل يفيد في معرفة الشخص لما يملكه من إمكانات مادية كالموارد المالية أو المعنوية كالخبرات والشهادات والمواهب، وهذه المعرفة تفيد في تقييم الشخص لذاته وبناء توقعات عن نفسه في المستقبل القريب أو حتى البعيد والسعي للوصول لما يريد.
- توقع المشاكل والعقبات والوقاية منها: يعد التفكير في المستقبل من الأمور الضرورية لمعرفة المشاكل أو الضغوطات التي قد يتعرض لها الشخص في المرحلة المقبلة لمعرفة كيفية اتخاذ الإجراءات التي تساعده على تجاوزها، أو حتى تجنبها، مثل انتهاء عقد أجار المنزل بعد فترة معينة يجب التفكير فيما عليك فعله من ادخار المال الكافي للتمكن من الانتقال لمكان لآخر والبحث لإيجاد مكان مناسب للسكن.
- المساعدة في اتخاذ القرارات في الحاضر: التفكير في المستقبل يوجه الفرد إلى اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت الراهن، حيث يحدد التفكير في المستقبل المسار الذي يسلكه الفرد في الحاضر، فقد يكون اتخاذ قرار صحيح في الوقت الراهن لا يحمل الأهداف المرجوة وهو تهيئة للوصول إلى الهدف السامي بالمستقبل البعيد، فقد أوجدت دراسات علم النفس أن معظم الأشخاص يرغبون في المكافئات السريعة القليلة عن المكافئات التي تحتاج للانتظار لكنها تكون أكثر فائدة.
- وضع الخطة المناسبة لتحقيق الأهداف: يحفز التفكير في المستقبل الإبداع والخيال الواسع فعند التفكير أين ترغب أن تكون في المستقبل سوف تتجه مساعيك وخططك بشكل تلقائي لتحقيق هذا الهدف، ما يساعدك في وضع الخطوات الصحيحة واللازمة بوضوح للوصول إلى الهدف وحتى وضع توقع زمني لتحقيقه، مع التنويه إلى أن التفكير الإيجابي بتحقيق الأهداف قد يكون سبب للفشل، حيث يجب التفكير في العقبات وتوقعها ضمن هذه المخططات.
- التردد والصعوبة في اتخاذ القرارات: قد يولد التفكير المفرط في المستقبل خاصة التفكير السلبي إلى شعور بالقلق والارتياب، فيتركز التفكير على النقاط السلبية التي قد تقع فيها ما يجعلك تتردد في القيام بأي خطوة أو اتخاذ أي قرار في الحياة، فكم من الأشخاص لا يتمكنوا من اتخاذ قرار الزواج ليس لأنهم لا يملكون القدرة الكافية بل لاعتقادهم أنهم قد لا يستطيعون تحمل مسؤولية الزواج.
- سيطرة الاكتئاب: الخوف من المستقبل ينتج عن القلق الشديد مما هو قادم وقد يكون لهذا آثار خطيرة على الصحة النفسية والعقلية للإنسان، فكثرة التفكير والتخطيط دون الأمل لا يكفي، بل أنه يجعل الشخص واقفاً في مكانه خائف من التقدم وحتى من التراجع ما يجعله يقع في الاكتئاب لشعوره بالعجز عن انجاز أي خطوة في الحياة.
- التشاؤم الدائم: يعرف عادةً الشخص الذي يفكر بشكل مفرط وسلبي في المستقبل بأنه شخص متشائم بالحياة، حيث ينظر للمستقبل على أنه بؤرة مظلمة من الصعب توقع ما فيها ولا يمكن أن يتوقعه، فهو خوف من المجهول أكثر مما هو خوف مما سيحدث في المستقبل.
- الحرمان من متع الحياة في الحاضر: التفكير بشكل دائم في المستقبل قد يجعلك تنسى أنك في حياة يجب أن تعيشها بمتعتها وبمعاناتها، إضافة إلى أنها حتماً جزءاً لا يتجزأ من الماضي والمستقبل أيضاً، فعند التفكير في المستقبل لا بد من عيش الحاضر بما فيه من تفاصيل ومتع لمواجهة المستقبل وعقباته.
- العجز عن اتخاذ الخطوات الصحيحة خلال التحضير للمستقبل: الخوف من المستقبل من أكثر الأسباب التي تشعر الشخص بالعجز عن القيام بأي خطوة اتجاه هدفه، فرغم ضرورة التفكير بالمستقبل لوضع خطوات تحديد الأهداف إلا أن الوصول إلى حد التردد والقلق من الفشل سيجعل من الصعب السير في الخطوات الصحيحة نحوه، حيث لا يوجد طريق سهل بالمطلق والصعوبات سوف تواجهك في كل خطوة وفي أي طريق قد تسلكه.
- الخوف من الفشل في الزواج: من أحد الهواجس التي ترتبط في كثرة التفكير في المستقبل هو الخوف من الفشل بالزواج حيث ينتاب الشباب أو الإناث شعور دائم بعدم القدرة على تحمل المسؤولية والقدرة على بناء أسرة جديدة وإنجاب الأطفال وتربيتهم وتحمل أعبائهم.
- الخوف من البقاء وحيداً: قد يكون الخوف من الوحدة من الهواجس التي تصيب الأشخاص الذين يفكرون بالمستقبل، حيث يكونوا دائمي التفكير بماذا لو لم يتزوجوا أو فقدوا البعض من أصدقائهم هل سيعيشون لوحدهم إلى الأبد أم سوف يضطرون لقبول ما هو أقل من طموحهم أو توقعاتهم، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين تأخروا بالزواج أو يجدون صعوبة بإيجاد شركاء مناسبين وتكوين علاقات جديدة.
- هاجس الفشل في تحقيق الهدف: رغم أن التفكير في المستقبل يجعلك تسعى إلى تحقيق أهدافك إلا أن التفكير الزائد قد يسبب هاجس الخوف من الفشل، وغالباً ما يقع به الشخص المتشائم الذي لا يتصور أن المستقبل سينفتح أمامه في يوم من الأيام فيتخيل الفشل قبل النجاح، وهذا سيعيق نجاحه وتقدمه في الحاضر والمستقبل.
- الخوف من التقدم في العمر: من هواجس التفكير بالمستقبل هو التقدم في العمر وما ينتج عنه من تغيرات جسدية وحياتية، مثل تغير الشكل والمرض والتقاعد والشعور بعدم الأهمية، وكذلك الشعور بأن هناك أهدف لم يتمكن من تحقيقها بعد في ريعان شبابه، والتخيل بأنه سوف يصبح عالة على من حوله سواءً الأبناء أو أزواجهم.
- الخوف من الفشل الدراسي أو الرسوب: يعتبر الخوف من الفشل الدراسي من الهواجس الكبيرة للخوف من المستقبل القريب للكثير من الطلاب، وهذا الخوف سيعيق تحقيق الهدف ويتسبب بخيبة أمل لكل من الوالدين وفقدان ثقة الطالب بنفسه وبقدراته، وبالتالي تغير مستقبله العلمي والمهني وهذا ما يبرر الخوف من الامتحانات وتشتت الذهن خلالها وعدم القدرة على التركيز بالدراسة.
- الخوف من المسؤوليات: من المؤكد أنه كلما تقدم العمر الإنسان كلما زادت مسؤولياته وتوقعات الآخرين منه، كما أن التجارب الحياتية المختلفة تضعه أمام مسؤوليات ومهام جديدة ما يجعل الشخص يخاف من مراحله القادمة، فقد يخاف البعض من الزواج لما فيه من مسؤوليات والسفر لما فيه من صعوبات وإنجاب الأطفال لكونه يحتاج لقدرة مادية ومعنوية وعاطفية لتربيتهم، وجميعها من هواجس التفكير المفرط بالمستقبل والخوف منه.