مبادئ المدرسة السلوكية في علم النفس
يعود الفضل بتأسيس المدرسة السلوكية في علم النفس إلى جون باتسون عام 1913، والذي كان ينظر إلى السلوك الإنساني بوصفه أحد أهم المؤشرات القابلة للقياس والملاحظة، والتي يجب أن يهتم بها علم النفس لأن السلوكيات الإنسانية المختلفة يمكن أن تكون منهجية إلى حد بعيد، مقارنةً بمؤشرات أخرى غير قابلة للقياس أو الملاحظة أو إعادة الإنتاج أو حتى تحليل تأثرها بالعوامل المحيطة.
النظرية السلوكية أو المدرسة السلوكية (Behaviourism) أحد المذاهب الأساسية في علم النفس التي تنظر إلى السلوك الإنساني باعتباره الجانب الوحيد القابل للقياس والملاحظة بشكل مباشر، أو على الأقل الجانب النفسي الأكثر قابلية للقياس وملاحظة تأثّره بالعوامل المختلفة.
تعنى المدرسة السلوكية بتحليل شخصية الإنسان من خلال معرفة سلوكياته ومواقفه ودراسة العوامل التي أثّرت على السلوك ومدى اكتسابه للتنشئة الاجتماعية أو الضبط الاجتماعي والخبرات المتراكمة من المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى كيفية تجسيدها (تطبيقها) عملياً في الواقع، بعيداً عن العوامل الفطرية. [1]
لقد اهتمّت النظرية السلوكية بالسلوك البشري وأولته اهتماماً خاصّاً، وظهر ذلك بعد تحليلها للسلوك وربطه مع العوامل النفسيّة والمحيطية المهيّئة له، إذ امتلكت هذه النظرية بعضاً من الخصائص نظراً للهدف الأساسي من وجودها، ويتمثّل ذلك بكونها:
- مدرسة تأهيلية: اهتمّت النظرية السلوكية بتطوير المهارات الشخصية على أساس تأهيل السلوك الإنساني واعتبرت أن كل ما يصدر من الشخص هو حصيلة ما اكتسبه سابقاً، إذ باشرت بإعادة تأهيل وتدريب الأشخاص بالنظر إلى المشكلة والأعراض وإعادة صياغة السلوك بما يتناسب مع الحياة ومساعدتهم على التمييز بين السلوكيات الصحيحة والخاطئة، مثل إزالة مشاعر الخوف الموجودة سابقاً عند مشاهدة طفل ما لحيوانات مخيفة كان قد تعرّض لهجوم منها.
- مدرسة تنظيمية: إن تنظيم السلوك الإنساني غايةٌ هامة في مجال علم النفس إذ أن اكتساب المهارات غير كافٍ للعيش بمستوى نفسي سليم، حيث قامت النظرية السلوكية إلى جانب إعادة تأهيل السلوك بتنظيمه أيضاً وكمثال على ذلك عند اكتساب مهارة الحساب الذهني فإنه يجب حفظ جدول الضرب أولاً.
- مدرسة علمية: النظرية السلوكية هي مدرسة فكرية تأسست على الملاحظة والقياس والهدف الرئيسي هنا هو مساعدة الأشخاص على النمو المتكامل وذلك بتعديل السلوك الغير تكيّفي لديهم إلى سلوك تكيّفي (يتوافق مع الحياة) مناسب، مثل معالجة الشعور بالنقص والدونية وتحويلها إلى الثقة بالنفس والشعور بالذات.
- مدرسة نفسية: تعتمد النظرية السلوكية هنا على ربط السلوك الإنساني بالحالة النفسية للفرد إذا اعتمدت النظرية السلوكية على دراسة العوامل النفسية وتأثيرها على السلوك الإنساني، ومن الأمثلة على ذلك، مرور الطفل بمرحلة المراهقة حيث يكتسب من محيطه عادات وسلوكيات قد تكون إيجابية أو سلبية تؤثر بشخصيّته لاحقاً بالإضافة إلى تأثير الأصدقاء على السلوك أيضاً.
- مدرسة محفّزة وتشاركية: إن أساس النظرية السلوكية هو العمل الجماعي إذ تحفّز الأعضاء على ضرورة بذل الجهود وذلك بالتشارك مع المدرّب من منطلق التعزيز وزيادة الروح التشاركية بين الأفراد، والتي تعود على الأفراد إيجاباً أو سلباً إذ أنها تقوم على التعزيز أو العقاب وكذلك الانعكاسات الشرطية، على سبيل المثال معرفة الطفل أن تعلّمه لعادةٍ ما سينعكس ذلك إيجاباً عليه من قبل محيطه (والديه مثلاً) سيبدأ حتماً بتطبيق تلك العادة أو أيّة خبرة علمية مكتسبة، أما بالنسبة للتعزيز والعقاب فمثلاً عند إجابة الطفل على سؤال المعلم فإن ذلك سوف يستدعي شكره والثناء عليه، والعكس صحيح بالنسبة للعقاب. [2]
تعتبر السلوكية نهج معتمد في علم النفس يركز على سلوك الفرد ومدى تأثره بأفكاره، وقد ظهرت تلك المدرسة في أوائل القرن العشرين وتم تطويرها من قبل عدة رواد ورعاة لها، من أهمهم:
- جون واتسون: اهتّم جون واطسون الأب والمكتشف الأول للنظرية السلوكية بتعليم الأطفال جداً، ومن هذا المنبر قال جون "لو وضع تحت تصرّفي اثنا عشر طفلاً رضيعاً بصحة جيدة لعلّمتهم بالطريقة التي اعتقد أنها المثلى للتعلّم، بحيث يصبح مختصّاً بالمجال الذي اختاره له بغض النظر عن قدراتهم ومواهبهم أو الجنس الذي ينتمي إليه".
ومن هذه الزاوية اشتهر جون بتجربته التي كانت تنصّ على: - المرحلة الاولى: قام بجمع طفل ذو عمر 10 أشهر مع فأر أبيض اللون وبقي معه حتى تآلفا،
- المرحلة الثانية: بدأ جون بإصدار صوت يخيف الطفل كلّما حاول التقرّب من الفأر، ومع تكرار العملية تولّد لدى الطفل شعور الخوف كلما تقرّب من الفأر، وبهذه التجربة برهن جون قدرته على التوجيه والتعليم وفق ما يراه مناسباً.
- إيفان بافلوف: صاحب نظرية الاشتراط الكلاسيكي، ومن أجل تأكيد نظريته قام بإجراء تجربته على الكلب وفق أربع مراحل كما يلي:
- المرحلة الأولى: وضع الطعام (عامل مثير) أمام الكلب فبدأ لعاب الكلب بالسيلان.
- المرحلة الثانية: قام بافلوف بإزالة الطعام وقام بقرع جرس بعد ذلك أمام الكلب لكن دون استجابة منه (عامل غير مثير).
- المرحلة الثالثة: تزامن إحضار الطعام بقرع الجرس وكرّر هذه العملية عدة مرات (حتى ترسّخت تلك العملية في الوعي الباطني للكلب)
- بينما في المرحلة الأخيرة: قام بافلوف بقرع الجرس دون تقديم الطعام حيث بدأ لعاب الكلب بالسيلان قبل مشاهدة الطعام (أصبح الجرس محفز مثير)، ومن هنا أتت نظرية بافلوف بربط السلوك بالمحفّزات واعتبار النظرية السلوكية مكتسبة من خلال حفظ ما تم تعليمه.
- بي اف سكينر: أحد أكثر علماء النفس الأمريكيين تأثيراً في النظرية السلوكية، صاحب نظرية التكييف الفعّال أيّ أن السلوك المتوقّع يتم تحديده من خلال عواقبه سواء كانت تعزيز أو عقاب مما يجعل السلوك أقل أو أكثر عرضة لتكرار نفسه مرة أخرى، ومن هنا أثبت نظريته في أن " السلوك يتبع النتيجة، وطبيعة النتيجة تعدّل تكرار السلوك في المستقبل".
- أبراهام ماسلو: لم يهتّم ماسلو بالتجارب الحيوانية أو البشرية لإثبات نظريته كغيره من السلوكيين، لكنه اهتم بجمع بياناته على شكل دراسة سلوك مجموعة من الأفراد معتمداً على الاحتياجات الوراثية الهرمية التي تكمن وراء تلك السلوكيات، وعلى الرغم من أنه درس علم النفس السلوكي والتحليلي وربطهما ببعض، إلا أنه أيّد فكرة تأثير القوى الداخلية و الخارجية بالسلوك البشري، وأن ذلك الأخير يخضع لسيطرة العقل الباطن أو اللاوعي الموجودة لدى البشر.
- إدوارد ثورندياك: تجربة ثورندياك كانت على القط، فقد أراد إثبات أن التعلم والسلوك يأتي بعد محاولات عديدة من التكرار، فقام بسجن قط في قفص ومنحه محاولات للخروج منه، كالضغط على زر القفل الخاص بالقفص أو جر الحبل أمامه مثلاً.
بالإضافة إلى ذلك قام ثورندياك بوضع طعام خاص بالقطط قرب باب القفص الخارجي لتشجيعه وإثارته، وبعد مضيّ فترة معينة من الزمن استطاع القط الخروج والهروب ورأى ثورندياك أنه كلما تكررت المحاولة قلّ زمن الخروج من القفص وبذلك أثبت نظريته في أن التكرار والمحاولة يقللان من زمن اكتساب التعليم والمعرفة الحقيقة. [3-4-5-6-7]
تمتلك النظرية السلوكية عدة عناصر على اعتبارها المدرسة النفسية التي تهتم بالسلوك البشري، ومن أهم تلك العناصر:
أتت النظرية السلوكية لمعرفة السلوكيات المرتبطة بأفكار وحالة الإنسان النفسية وعملت على معالجة السلوك السلبي وتعديله، لكن من وجهة نظر أخرى فلهذه المدرسة مساوئ وسلبيات من أبرزها:
- إهمال دور الإنسان: جرّدت النظرية السلوكية الدور الحيوي للإنسان على صنع وتحديد السلوك، كما أنها لم تسمح له بإبراز قدرته على التعامل مع الظروف المحيطة والتكيّف معها، وجعلت البناء الإنساني مجرد بناء آلي يتكون من أفعال وردود أفعال فقط.
- تغييب المعتقدات الداخلية للأفراد: تنكر هذه النظرية وجود المعتقدات والقيم الداخلية الموجودة في باطن كل إنسان وتنكر تأثيرها على توجيه سلوك الفرد.
- التركيز على السلوكيات الحاضرة: تهمل النظرية السلوكية السنوات الماضية في حياة أي فرد ولا تراعيها أو تدخلها في سلوك الشخص، بل تركز على السلوك الآني (الحاضر) وهذا يسبب تجاهل بعض السلوكيات وبقائها دون علاج.
- عملية مكتسبة وتستغرق زمناً: النظرية السلوكية عملية مكتسبة تعتمد على التجارب والملاحظة وذلك يستغرق وقتاً طويلاً للحصول على نتيجة أو حقيقة ما.
- التركيز على العلاج السلوكي: تركز هذه النظرية على العلاج والتخلّص من الأعراض أو السلوكيات الخاطئة دون مراعاة الأسباب التي أدّت إلى هذا الاضطراب النفسي أو دراستها. [10]