الإعلام الجديد وتأثيره على
أدى التطور غير المحدود والمتسارع في مجال التكنولوجيا والاتصالات إلى تأثيرها في جميع مجالات الحياة سواء التعليمية أو الإدارية وغيرها من المجالات وأهمها القطاع الإعلامي فأدى اندماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال الإعلام إلى نشوء مصطلح الإعلام الجديد، فما معنى الإعلام الجديد، وما هي مميزاته وأهميته وأهدافه، وكيف يؤثر على المجتمع؟ كل ذلك وأكثر سنتعرف عليه في مقالتنا هذه.
ظهر مصطلح الإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي أو البديل في نهاية القرن العشرين فماذا يعني هذا المصطلح؟
الإعلام الجديد ببساطة هو الإعلام الذي يعتمد على التقنيات الجديدة الرقمية والتي بدأت مع اختراع الانترنت وتطور الهواتف المحمولة، فهو مزيج بين القطاع الإعلامي وقطاع التكنولوجيا والاتصالات، كما يمكن تعريفه بشكل أكثر تخصصاً وتقنية بأنه أحد الأساليب الحديثة التي تخدم الاتصال وتستخدم الوسائل الرقمية لتسجيل وحفظ وتخزين المعلومات وهو بمثابة مساحة حرة للتعبير في مختلف القضايا. [1]
لم يستطع المتخصصين وضع تعريف محدد وواضح لمفهوم الإعلام الجديد لعدة أسباب، أهمها أن صورة الإعلام الجديد لم تتبلور بعد بشكل واضح ومحدد، كما أنه لا يمكن الجزم ببقاء الإعلام الجديد على صورته الحالية لأن التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات وما توصل إليه الإعلام والاتصال من تطور وتقدم قد يأتي بما هو أكثر جدة وحداثة عما هو عليه الإعلام الآن.
يعتبر مصطلح الإعلام الجديد مصطلح شامل يستخدم لتعريف كل ما يتعلق بالإنترنت والتفاعل بين التكنولوجيا والصور والصوت، مما يجعل وسائلها تتغير باستمرار مع تطور التكنولوجيا الجديدة واعتمادها على نطاق واسع، ومن أدوات الإعلام الجديد:
- مواقع التواصل الاجتماعي ومن أهم مواقع التواصل الاجتماعي وأكثرها سرعة تويتر وفيس بوك وانستغرام وتيك توك وواتساب.
- المدونات والتي هي عبارة عن يوميات شخصية تنشر على الانترنت.
- المنتديات الإلكترونية.
- الألعاب الإلكترونية.
- البريد الالكتروني.
هناك العديد من الفروق الجوهرية بين الإعلام الجديد والإعلام التقليدي والتي تجعل لكل منه ميزاته الخاصة والمهمة، ومن هذه الفروق: [2]
- الإعلام التقليدي أحادي والجديد تفاعلي: يعتبر الإعلام التقليدي أحادي أي أن المرسل شخص واحد تنتهي مهمته بنشر الخبر أما الإعلام الجديد فالميزة الأساسية فيه أنه تفاعلي فلم يعد المرسل هو مرسل فقط وآمر لا يتم مناقشة أخباره وإنما يتم التفاعل في منشوره سلباً أو إيجاباً.
- الارتباط بالزمان والمكان: الإعلام التقليدي دائماً مرتبط بزمان ومكان محددين فمثلاً هناك نشرة أخبار في وقت محدد أو صحيفة تصدر في مكان محدد وتاريخ محدد أما بالنسبة للإعلام الجديد فهو ليس مرتبط لا بالزمان ولا بالمكان.
- المرسل: المرسل في الإعلام التقليدي من الضروري أن يكون صحفي أو مذيع أو مقدم نشرات أو محرر أو على الأقل يجب أن يكونوا في مجال التخصص الإعلامي، في حين أن المرسل في وسائل الإعلام الجديد يمكن أن يكون أي شخص يتوافر لديه إنترنت وحاسوب أو هاتف نقال.
- الرأي الآخر: الإعلام التقليدي إعلام يمكن وصفه بأنه إعلام محتكر من قبل المؤسسة المالكة للوسيلة الإعلامية ولا يمكن أن يسمح بمشاركة الرأي الآخر فله سياساته الإعلامية وهو إعلام باتجاه واحد في حين أن الإعلام الجديد هو إعلام ديمقراطي وقائم أصلاً على مشاركة الرأي والتفاعل.
- التكلفة في الإعلام الجديد: التكلفة في الإعلام الجديد منخفضة جداً وتكاد تنعدم فيكفي توافر الإنترنت ووسيلة إلكترونية كالموبايل أو الحاسوب للإرسال والنشر، في حين أن الإعلام التقليدي ذو تكلفة مرتفعة جداً مثل فتح قناة على التلفزيون أو الراديو أو تكاليف النشر بالصحف.
- الثقة بالإعلام: المشاهد في الغالب يثق في مصدر الإعلام التقليدي أكثر مما يثق بمصدر الإعلام الجديد فمثلا أي خبر يسمعه شخص ما من أي صفحة إلكترونية يقوم عادة بفتح التلفاز للتأكد من الخبر، فالأخبار يصعب التحقق من صحتها في مواقع التواصل الاجتماعي وهي مرتع أكبر للإشاعات أو عدم المصداقية في حين الوسائل الإعلامية التقليدية لا تقوم بنشر خبر إلا بعد التيقن منه ومن مصدرها.
- ضعف الضوابط: في الإعلام التقليدي من الصعب المساس بالقيم والمعايير الدينية والاجتماعية أو الثقافية في المجتمعات، في حين تجد أفراد هذا المجتمع المستخدمين للإعلام الجديد يتخذون أحياناً من نطاق الحرية مجال واسع للمساس بهذه القيم.
تتنوع أهداف الإعلام الجديد بتنوع الشخصيات التي تقوم بتأسيس منصات الإعلام الجديد ومواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، ويمكن إجمال بعضها على النحو التالي: [3]
- الترويج للسياسات والبرامج والأفكار والمعتقدات: قد يهدف الإعلام الجديد على اختلاف وسائله إلى الترويج لسياسات معينة مثل سياسات الأحزاب والحكومات وبرامجها أو الأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعتقدات الدينية أو الإلحادية.
- التسويق بمفاهيمه المتعددة: قد يهدف الإعلام الجديد إلى التسويق بمختلف مفاهيمه مثل التسويق الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي.
- الربح المالي: كما يمكن أن يهدف الإعلام الجديد إلى الربح المالي وذلك من خلال سوق الإعلانات على المنصات مقابل الحصول على مقابل مالي.
- التواصل الاجتماعي: قد تهدف منصات الإعلام الجديد إلى مجرد إشباع الرغبة بالتواصل الاجتماعي عن طريق التفاعل على الأحداث التي يتم نشرها في هذه المنصات.
- التسلية والترفيه: يمكن أن يكون تأسيس منصات الإعلام الجديد بهدف التسلية والترفيه فقط مثل صفحات المواقع التواصل الاجتماعي الفنية والرياضية وغيرها.
للإعلام الجديد العديد من المميزات والإيجابيات التي ساعدت في انتشاره في مختلف أنحاء العالم ومن هذه الميزات: [4]
- وسيلة تعبير حرة: في الإعلام الجديد يمكن لأي شخص أن يفتح صفحة أو قناة للأخبار مثلاً ويديرها ويعبر عن رأيه وأفكاره بدون وجود سلطة أعلى تمنعه من نشر الأفكار التي لا تصب بمصلحتها ولا توافق توجهاتها كما هو موجود في الإعلام الجديد.
- الأرشفة والتأريخ: تتميز المعلومات في الإعلام الجديد بالقدرة على حفظها والوصول إليها بأي وقت وأي مكان فهي غير قابلة للتلف كما في الإعلام التقليدي والذي من الصعب استرجاع المعلومات فيه.
- التفاعل: ما يميز الإعلام الجديد هو قدرة المشاهد على التعليق على الخبر أو المعلومة المنشورة وإبداء رأيه ووجهة نظره فلا يقتصر دوره على التلقي فقط وإنما يمكنه التفاعل والمشاركة.
- السرعة: من ميزات الإعلام الجديد السرعة في نشر المعلومات والخبر وهذا ما يفتقده الإعلام التقليدي والذي يحتاج لوقت لتحضير الخبر أو المعلومة.
- سهولة الوصول للمعلومات: يتميز الإعلام الجديد بسهولة الوصول للمعلومات وبصورة مجانية فيكفي الدخول إلى الصفحة الالكترونية والبحث عن الخبر الذي تريده وقراءته بدون حاجة لانتظار وقت نشرة الأخبار أو شراء الصحف والجرائد.
على الرغم من إيجابيات الإعلام الجديد إلا أن له سلبيات كثيرة وأحياناً قد تتحول ميزاته إلى سلبيات في نفس الوقت، ومن سلبيات الإعلام الجديد: [4]
- قلة المصداقية: غالباً ما يكون الإعلام الجديد موضع شك وريبة للمشاهد أو المتلقي فكل شخص يستطيع نشر ما يريده بدون مصدر موثوق مما يؤدي إلى التضليل وانتشار الشائعات وذلك بعكس الإعلام التقليدي الذي يخضع لقواعد مهنية تمنع نقل أخبار غير موثوقة أو مشكوك بمصداقيتها.
- انعدام الرقابة: في الإعلام الجديد لا يوجد جهات رقابية تقوم بمنع نشر بعض الأخبار أو الأفكار المضللة أو المسيئة أو الشائعات وهي أخطر سلبيات الإعلام الجديد.
- تغير القواعد في الإعلام الجديد: تتغير القواعد في الإعلام الجديد وتتغير الجهة المسيطرة والمؤثرة، فمثلاً شخص عادي لديه عدد كبير من المتابعين يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من حزب كامل أو من صحفي محترف في الإعلام التقليدي.
- صعوبة الملاحقة القانونية: في الإعلام الجديد من الصعب ملاحقة الأشخاص قانونياً والذين يقومون بنشر منشورات تدعو للكراهية أو الإرهاب أو التطرفأ وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون في الإعلام التقليدي.
- انتهاك حقوق النشر والملكية: في الإعلام الجديد وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي من السهل القيام بنسخ الكتب أو المقالات ونشرها بدون اسم كاتبها وانتهاك حقوق الملكية على الرغم من وجود قوانين تحميها وتحاسب على الجرائم الالكترونية ولكنها صعبة التطبيق بسبب صعوبة ملاحقة المنتهكين على الشبكة العنكبوتية.
بعد ذكر سلبيات وإيجابيات الإعلام الجديد بقي أن نوضح كيف يؤثر هذا الإعلام على المجتمعات وذلك من خلال: [5]
- انتشار الأفكار المتطرفة: وجدت الجماعات المتطرفة بالإعلام الجديد منصة مناسبة للتعبير عن أفكارها المتطرفة ونشرها نتيجة غياب الرقابة الفعالة على هذه المنصات، كما سهلت تواصل هذه المجموعات مع بعضها البعض.
- تطور الفكر الناقد عند الأفراد: ساعد الإعلام الجديد في تطور الفكر الناقد لدى الأفراد بفضل خاصية التفاعلية التي يتميز بها هذا النوع من الإعلام، حيث ساعد الإعلام الجديد في مشاركة الجمهور وإبداء رأيه وانتقاده مقارنة مع الإعلام التقليدي الذي كان فيه المشاهد مجرد متلقي.
- التأثير على قيم المجتمع: يختلف الإعلام الجديد عن الإعلام التقليدي بصعوبة وضع الرقابة عليه من قبل العائلة أو الدولة، وهذا يؤدي بدوره لانتشار أفكار وقيم قد تكون مختلفة عن قيم هذا المجتمع، يحدث ذلك بشكل خاص من خلال إطلاع المراهقين على بعض العادات التي تنتشر في المجتمعات الأخرى وأعجابهم بها والذي يؤدي لتقليدهم إياها فتنتشر مع هذا الجيل محدثة تغير في المجتمع.
- التأثر بالثقافات الغربية: لم يعد التعبير عن ثقافة بلد ما حكراً على الدول المهيمنة مثل الثقافة الغربية، حيث أدى الإعلام الجديد إلى سهولة تعبير المجتمعات عن أنفسها وسهولة اطلاع الثقافات الأخرى عليها دون الحاجة لوسائل الإعلام التي تنقل ما يتماشى مع أهوائها وسياساتها.
- القدرة على إحداث تغيير عالمي: للإعلام الجديد قدرة على إحداث تغيير في الدول والتأثير على الرأي العام مثل الدعوة للقيام بالاحتجاجات أو الضغط على الحكومات وتغيير أنظمة الحكم.