معنى وتعريف اللاجنسية والشخص
على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة للاجنسيين؛ يعتقد أن اللاجنسية تضم حوالي 1% من البشر، والتوجه الحديث في الغرب هو نفي صفة الاضطراب والمرض عن اللاجنسية كما هو الحال مع الشذوذ والمثلية، واعتبار اللاجنسية توجّهاً جنسياً يتعايش معه أشخاص أصحاء نفسياً وعقلياً وجسدياً، ولا يحتاج إلى العلاج ولا يوجد له أسباب.
لكن هل اللاجنسية فعلاً توجّه غير قابل للعكس أو العلاج! وما الفرق بين اللاجنسية واضطرابات انعدام الرغبة وغياب الاهتمام بالجنس؟
اللاجنسية (بالإنجليزية: Asexuality) هي انعدام الميل والرغبة الجنسية عند الفرد أو اختبار الانجذاب الجنسي بقدر أقل من الطبيعي أو في ظروف محددة للغاية، حيث يتعايش الشخص اللاجنسي مع غياب الدافع الجنسي أو الشهوة الجنسية، لكنه مع ذلك قد يختبر أنواعاً مختلفة من الانجذاب العاطفي والرومانسي، وقد يمارس الجنس لأهداف أخرى غير الإشباع الجنسي مثل الإنجاب أو التجربة أو إرضاء الشريك، ويستخدم نفس المصطلح (اللاجنسية -Asexuality) في علم الأحياء لوصف الكائنات ذاتية التكاثر. [1,2,3]
ظهر مصطلح اللاجنسية (Asexuality) لأول مرة في كتابات عالم الجنس الألماني ماغنوس هيرشفيلد في نهاية القرن التاسع عشر، والذي وصف انعدام الانجذاب الجنسي أو اللاجنسية بالخدر الجنسي (Anesthesia Sexual)، وتم إدراج اللاجنسية على مقياس كنزي الشهير لوصف تدرجات الميل الجنسي المثلية على 6 درجات (0 مغاير تماماً و6 مثلي تماماً) وكانت الدرجة السابعة التي حملت الرمز X هي اللاجنسية. [4]
تمثّل اللاجنسية في المصطلح الحديث طيفاً واسعاً من التجارب التي قد تتباين بين الأشخاص الذين يصرحون بتوجههم اللاجنسي، فقد يمارسون الجنس أحياناً أو يمتنعون عنه تماماً لأن اللاجنسية تصف حالة الانجذاب والرغبة وليس السلوك الجنسي، وقد يتزوج اللاجنسي وينجب أطفالاً، كما أن بعضهم يختبر انجذاباً عاطفياً رومانسياً غير جنسيٍّ -سوي أو مثلي- فيما يدخل آخرون في علاقة غامضة ليست عاطفية ولا جنسية لكنها أيضاً ليست صداقة يسمونها (Queerplatonic).
تختلف اللاجنسية عن العجز الجنسي فهي لا ترتبط بضعف في القدرة الجنسية أو العجز العضوي، وإنّما بضعف أو انعدام الرغبة والانجذاب طويل الأمد، كما تختلف عن التبتل أو الرهبنة أو الامتناع الإرادي عن الجنس، لأنها لا تعتبر قراراً إرادياً بالتوقف عن ممارسة الجنس لأسباب دينية أو شخصية على الرغم من وجود الانجذاب، وإنّما غياباً للانجذاب نفسه وبدرجات متفاوتة بين اللاجنسية المطلقة واللاجنسية الرمادية التي بدورها قد تكون أميل للاجنسية أو أميل للجنسية الطبيعية.
جميع الاجتهادات في تعريف اللاجنسية تتفق على أن هذا المصطلح غامض وغير منضبط وقد يشير لدلالات مختلفة من شخص لآخر، ليس فقط بالنسبة للأشخاص الأسوياء أو الذين يعتبرون كلّ ميل جنسي غير الانجذاب المغاير مخالفاً للفطرة، بل أيضاً بالنسبة للذين يطلقون على أنفسهم لاجنسيين.
تقول الدكتورة كارول كوين المتخصصة في علم الجنس: "بعض الأشخاص قد يرتاحون لتصنيف أنفسهم على طيف اللاجنسية بدلاً من القول إنهم لاجنسيون، لأن ذلك يترك لهم مجالاً للمناورة على تدرجات الهوية المختلفة". [5]
هناك جدل واسع حول تعريف اللاجنسية إن كانت اضطراباً متصلاً باضطرابات الوظيفة الجنسية التي وصفها الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية بإصداره الخامس (DSM-5)، أم توجهاً جنسياً لا يجب أن يتم التعامل معه كاضطراب.
حيث حدّد الدليل التشخيصي نوعين من اضطرابات الوظيفة الجنسية المتصلة بانعدام الرغبة والميل الجنسي:
وعلى الرغم أن أعراض الاضطرابين التي حددها دليل (DSM-5) والمتمثلة في غياب أو انخفاض الانجذاب والرغبة الجنسية بشكل متكرر ومستمر، هي ذاتها تقريباً علامات اللاجنسية (Asexuality)؛ أشار الدليل في كلتا الحالتين أنّه: "إذا تم تفسير انخفاض الرغبة الجنسية طول الحياة من قبل الشخص نفسه بالتعريف الذاتي أنه (لا جنسي)، لن يتم تشخصيه باضطراب الوظيفة الجنسية". [6]
بمعنى أن وصف الشخص لنفسه أنه (لا جنسي) ويعي ذلك، يدل على سلامته من الاضطرابين المذكورين ولا يجب أن يخضع للتشخيص بهما أو للتقييم والعلاج الذي ينطبق عليهما، وقد يبدو هذا متناقضاً مع أساس تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية وحتى الأمراض الجسدية والذي يشير إليه الدليل نفسه في مواضع أخرى، حيث يحدد الطبيب المختص مدى توافق الحالة مع المعايير التشخيصية، وليس وصف الشخص لنفسه أو مدى قبوله بالتشخيص الطبي!
لا ينفصل هذا الجدل بطبيعة الحال عن الجدل حول الميول الجنسية المثلية والشاذة التي تم شطبها مسبقاً من دليل (DSM) واعتبارها "توجّهاً جنسياً" لا يجب التعامل معه كمرض أو اضطراب، بل أن مجتمع مثليي ومزدوجي الجنس (LBGT) أضاف الحروف (QIA) للتعبير عن المتسائلين أو المتشككين بهويتهم الجنسية (Questioning)، وعن اللاجنسيين (Asexual) وعن مزدوجي الهوية الجنسية (Intersex) وأضاف علامة + ليترك القوس مفتوحاً!
لذلك سنجد التعريفات الشائعة للاجنسية في معظم المراجعات والمقالات الإنجليزية تعتبرها "توجّهاً جنسياً" على غرار المثلية، فيما يتمسّك الرافضون لهذا النهج بوضع اللاجنسية في إطارها الطبي ووصفها كاضطراب مميّز جدير بالتشخيص وقابل للعلاج.
يقول الدكتور ستيفن بيتشين المعالج الجنسي والمتخصص بالعلاج الزوجي والأسري: "اللاجنسية مفهوم مشحون للغاية، يدَّعي أحد معسكرات علماء الجنس أنه كذلك كما هو، ويجب الاعتراف به باعتباره توجّهاً جنسياً رئيسياً مثل العلاقات الجنسية بين الجنسين، والمثلية الجنسية، والازدواجية، ويرى المعسكر الآخر أنه ليس أكثر من انخفاض الرغبة الجنسية أو نوع معمم من اضطراب الرغبة الجنسية منخفض النشاط (Hypoactive Sexual Desire Disorder) عند الذكور والإناث". [7]
لا بد من الإشارة إلى أن هذه العلامات أو الأعراض لا تعتبر علميّةً دقيقة ما دامت اللاجنسية نفسها غير مصنّفة كمرض أو اضطراب، فهذه العلامات مأخوذة من وصف اللاجنسيين -بأطيافهم- للحالة التي يشعرون بها والتي يختلف وصفها فيما بينهم، فيما تشمل أعراض وعلامات اضطرابات نقص وفقدان الرغبة الجنسية المصنّفة في دليل (DSM-5):
ويتم ترتيب هذه الأعراض على سلّم الشدة (خفيف - متوسط - شديد)، وعلى سلّم الاكتساب (منذ بدء النشاط الجنسي للفرد - مكتسب)، وعلى سلّم الظرفية (معمم في كل الظروف ومع كل الشركاء - ظرفي في أحوال معينة).
لكنَّ مطلقي مصطلح اللاجنسية (Asexuality) ومن يتبنونه لا يعترفون به كاضطرابٍ ذي صلة بهذه الاضطرابات، بالتالي لا يعتبرون أن هذه العلامات تصلح لتحديد اللاجنسية، كما أن الأشخاص اللاجنسيين لا يعانون من هذه الأعراض بشكل مفاجئ بعد اختبار انجذاب طبيعي لفترة معتبرة.
حدد الطبيب النفسي الكندي أنتوني بوجارت مؤلف كتاب (فهم اللاجنسية - Understanding Asexuality) بعض الخصائص التي قد تميّز الأفراد اللاجنسيين:
لم يتطرق كبار أئمة الإسلام لمناقشة اللاجنسية بمفهومها الحديث، خصوصاً وأن إطلاق مصطلح اللاجنسية ووصفها حديث العهد يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، وليس في جوهرها ما يتعارض مع مبادئ الإسلام لأنها ليست رغبةً ولا سلوكاً يُخشى أن تخالف الفطرة وإنّما انعدامٌ للرغبة، وقد ناقش الإسلام قضايا قريبةً من اللاجنسية من حيث الجوهر، مثل الرهبنة والتبتل والامتناع عن الزواج لغير علّة.
فالعزوف عن الزواج والنكاح في الإسلام ليس حراماً لكنه مكروهٌ لمن لم يكن عنده عذر، والزواج واجبٌ على من خاف الوقوع بالحرام ولم يطق الصبر على الشهوة والرغبة وكان مؤهلاً للزواج، ومستحبٌ لمن كان قادراً على تجنّب الوقوع بالحرام وإن استطاع الباءة، والزواج محرّمٌ على من ليست له قدرةٌ عليه أو لا يستطيع أداء واجباته الزوجية من وطءٍ ونفقة، إلّا إذا أعلم الزوجة مسبقاً بحاله ووافقت عليه. [9,10,11]
وقدّ حثَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على الزواج، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصرِ وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّ الصَّوم له وجاء". والباءة هي القدرة المالية والبدنية على الزواج، والوجاء هو قطع الشهوة للنكاح.
وليس في الإسلام رهبانية باتفاق أهل العلم، عن عائشة أم المؤمنين أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى عثمان بن مظعون لما بلغه أنه ترك النساء وقال له: "يا عثمانُ إنَّ الرهبانيةَ لم تُكتبْ علينَا أفَما لك فِيَّ أسوةٌ! فواللهِ إني أخشاكُم للهِ وأحْفَظُكم لحدودِه". أورده الألباني في إرواء الغليل. والرهبانية هي الامتناع عن الزواج والنكاح للتفرغ للعبادة وأداء الواجبات الدينية. [13,12]
في النهاية... الكثير من الأشخاص الذين يعانون من فقدان الرغبة والانجذاب والدافع الجنسي منذ بلوغهم يجدون في وصف اللاجنسية عزاءً لهم، ويشعرون أن النظر للحالة بوصفها طبيعتهم لا أكثر يساعدهم على التأقلم معها، فيما يتمسك فريق عريض من المجتمع العلمي بضرورة تشخيص هذه الحالات بمعايير علمية وبحثية دقيقة، ليس الهدف من ذلك نزع صفة "اللاجنسية" عن هذه الفئة من الناس بقدر ما هو تقديم المساعدة لهم، وربما لم تأخذ اللاجنسية نصيبها من البحث بعد لأنها أقل إثارة للجدل من القضايا الجنسية الكبرى والتي ترتبط بالسلوك الجنسي وليس بالرغبة أو الانجذاب.