هل ينسى الطفل الضرب وما هو علاج آثار الضرب
كل يوم نسمع عن أطفال تعرضوا للضرب والعنف الجسدي من قبل أهلهم أو مدرسيهم أو أقرانهم أو أيٍ كان، قد نشهد الحدث وننساه، لكن ماذا بالنسبة لهذا الطفل؟ فهل ينسى الطفل الضرب؟ وما علاج آثار الضرب النفسية؟ هذا ما سنتطرق له في هذا المقال بشيء من التفصيل.
ينسى الناس الأسماء والتواريخ والوجوه وحتى الأحداث بأكملها بشكل عام، لكن هل من الممكن أن ينسى الطفل الضرب والأحداث المؤلمة؟ الجواب: غالباً لا، لكن قد ينساه أحياناً في سن وظروف معينة.
هل يتذكر الطفل الضرب؟ لحسن الحظ، يقول معظم العلماء أنه من المحتمل عدم تذكر ذكريات الطفولة المبكرة وخاصة عندما يكون الطفل تحت سن الثانية أو الثالثة، لكن يعتمد الأمر على عدة أمور منها قوة الضرب ومرارة التجربة والظروف المحيطة بالطفل.
بشكل عام تصنع عقولنا في وقت وقوع حدث صادم العديد من المشاعر والمشاهد والأصوات والروائح وحتى الملامس المرتبطة بالصدمة، وعندما يمر علينا أمور مماثلة كأن نشم نفس الروائح التي شممناها وقت الصدمة نتذكر هذا الحدث، وهذا ما يحدث فعلياً مع الطفل الذي تعرض للضرب.
وإن نسي الطفل الضرب فمن الصعب التخلص من آثاره التي يتركها عليه طوال حياته، ومن هنا يجب علاج آثار الضرب النفسية بسرعة. [1]
تختلف استجابات الأطفال للضرب، ولكنهم جميعاً يتألمون جسدياً ونفسياً، فآثار الضرب النفسية والتنمر الجسدي على الطفل كبيرة جداً منها: [3]
- الخوف: فيصبح الطفل خائفاً من الشخص الذي يضربه، حتى لو كان أحد والديه، وهذا يؤثر على علاقته به.
- الانعزال عن الآخرين: فالضرب يكسر الطفل من الداخل ويترك آثار نفسية كبيرة فيه ما يجعله يفضل العزلة، ويفقد الرغبة في الخروج واللعب مع الأقران، وخاصة إن كانوا يتمتعون بعلاقات سليمة ولا يعانون من الضرب، وقد يغار من أقرانه أيضاً.
- اضطرابات في النوم والشهية: فعندما يكتئب الطفل ستلاحظ غالباً أن هناك تغيير في نومه وشهيته للطعام؛ فقد يلجأ للنوم الكثير أو قد يقل نومه أو قد يعاني من الكوابيس، كما قد تزيد شهيته كثيراً أو تضعف.
- صعوبة في التركيز: فيصبح الطفل ضعيف التركيز في المدرسة، وفي المنزل قد تناديه ولا يستجب لك لأنه كثير السرحان.
- الانزعاج من التغيير: فحتى التغييرات البسيطة في روتين الطفل تزعجه وتشعره بالتهديد.
- آلام جسدية: كالصداع وآلام المعدة وضيق التنفس وغيرها من الأعراض الجسدية التي قد لا تكون على صلة مباشرة بالضرب بقدر ما تكون انعكاساً نفسياً لحالة القلق التي يعاني منها الطفل المعنّف.
- إعادة دورة العنف: فقد يعيد الطفل دورة العنف الجسدي والضرب، فيتخذ الضرب نهجاً له في تعاملاته ويصبح عنيفاً، فإن كان يتعرض للضرب من قبل أقرانه في المدرسة فقد يصبح طفلاً عنيفاً ويرد لهم الضرب أو يضرب من هم أضعف منه في الصف أو حتى اخوانه الصغار، وغالباً يكبر هذا السلوك العدواني معه ليصبح أباً عنيفاً يتخذ الضرب نهجاً له في تعامله مع أبنائه وزوجته، وهكذا يديم هذا الطفل دورة العنف والضرب التي قد تستمر لأجيال طويلة.
- قبوله بالضرب والتعنيف: فقد تكون ردة فعله معاكسة لما سبق؛ فيقبل بالضرب وبالتعنيف اللفظي والجسدي من الناس دون اعتراض.
- سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى: وقد يطور الطفل سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى مثل العناد، وتعاطي الممنوعات.
- البحث عن شخص بديل: فإن كان والدي الطفل هما من يضربانه مثلاً، فسيبحث عن نموذج الأب أو الأم في أشخاص آخرين خارج المنزل. وتكمن خطورة هذا الأمر عندما يستغل الكبار حاجة الطفل للعطف والحنان ويستغلونهم في أمور أخرى قد تصل للاعتداء الجنسي أحياناً، ناهيك عن الفتاة التي قد تكبر وترتبط برجل كبير في السن اعتقاداً منها أنها أحبته، ولكن الواقع هو أنها وجدت فيه نموذج الأب الذي افتقدته، فتنشأ بينهما علاقة غير صحية وقد يفشل زواجهما.
- مشكلات في الشخصية: فيكون عادة هذا الطفل يعاني من ضعف الثقة بالنفس، وقد يعاني من عقدة النقص والأنانية وغيرهم من مشكلات الشخصية.
اقرأ أيضاً على حِلّوها مقال ضرب الأطفال وتأثيره النفسي من خلال القر هنا.
بما أن الضرب أمر من الصعب أن ينسى من قبل الطفل الذي تعرض له، فعلى الأقل على الأهل أو المربين أو المسؤولين عن الطفل محاولة علاج آثار الضرب النفسية التي تترك على الطفل. وذلك من خلال اتباع النصائح التالية: [2]
قد يتعرض الطفل للضرب من قبل الكثيرين، ولكن آثار الضرب النفسية على الطفل تكون أشد وتدوم أكثر إن كان من يضرب الطفل هو والده أو والدته أو شخص عزيز عليه وقريب جداً منه. لماذا؟
- لأنهم الأقرب له عاطفياً: فآثار الضرب النفسية شديدة جداً بشكل عام، فما بالك لو كان هذا الضرب من شخص عزيز عليك؟! هذا ما يحدث مع هذا الطفل الصغير الذي يحب والديه لدرجة لا تصدق ويرى العالم بأكمله في أعينهما، ولكم أن تتخيلوا كم سيتألم لو ضرباه وهما أمله في الحياة وأغلى ما يملك.
- لأنهم القدوة: فأبويه أو الأشخاص العزيزين جداً على قلبه وقريبين منه كأقاربه من الدرجة الأولى مثلاً أو أجداده يشكلون القدوة بالنسبة له، وهذا بالتالي سوف يجعل الطفل يكرر السلوك العدواني ويتخذ الضرب نهجاً له ويديمه عبر الأجيال.
- لأنهم معه لوقت طويل: فإن كان يتعرض للضرب من قبل أحد والديه، فهذا الأمر أصعب من أن ينسى، لأنه سيتذكر الضرب كلما نظر إليه، وسيتعرض للضرب بشكل مستمر في المنزل.
من الناحية التربوية وحسب علم النفس التربوي الحديث فإن العنف النفسي واللفظي من أسوأ الأساليب التربوية التي ثبتت آثارها السلبية قريبة وبعيدة المدى على الطفل من الناحيتين الصحية والنفسية.
لكن الأهم أن الفائدة من العقوبة الجسدية للأطفال ما تزال موضع تساؤل، حيث يرى خبراء التربية الحديثة أن العقوبة الجسدية لا تؤدي إلى تعديل سلوك الطفل بقدر ما تقود إلى كبته في أسوأ الأحوال، ما يعني أن السلوك السيء سيظهر في أول فرصة متاحة في حال غياب رقابة الأهل أو قدرة الطفل الكبير على منعهم من تعنيفه.
ويمكن القول بالفم الملآن أن ضرب وتعنيف الأطفال بشكل مفرط وخارج عن السيطرة لا يقود إلّا لبتر الروابط العاطفية مع الأهل وخلق أزمات عاطفية ونفسية لدى الطفل قد لا تزول آثارها طوال حياته.
وحتى مؤيدو استخدام الضرب التأديبي في التربية يضعون شروطاً للضرب، أهمها:
- ألا يكون الضرب مبرحاً: فيكون الضرب خفيفاً جداً ولا يسبب الأذى الجسدي للطفل.
- ألا يكون في أماكن حساسة: كالوجه أو الظهر أو البطن مثلاً، فيمكن أن يضرب الطفل على كف يده ضربة خفيفة جداً.
- أن يدرك الطفل اعتراضك على سلوكه وليس عليه شخصياً: فيجب أن يكون الطفل متأكداً من حبك اللا مشروط وتقبلك له كما هو، ولكن هناك سلوك معين قد أزعجك فقررت أن تعاقبه عليه.
- ألا يكون مجرد تفريغ لغضب الأهل: فأحياناً يضرب الأهل أطفالهم بجنون كوسيلة لتفريغ غضبهم هم وتوترهم من ضغوطات الحياة، فلا يجدوا أمامهم إلا هذه المخلوقات الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة لتفريغ غضبهم، ومن ثم يندمون.
- ألا يتكرر الضرب كثيراً: فحتى لو تكرر فهذا سيفقده معناه.
- ألا يكون أمام الناس: وذلك لئلا يترك آثار نفسية سيئة جداً عليه.
- أن يؤخذ عمر الطفل بعين الاعتبار: فلا يضرب الطفل الصغير جداً، كذلك يجب أن تتوقف عن العقوبة الجسدية في عمر معين عندما يكون الطفل قادراً على إدراك ذاته بشكل أفضل حيث يصبح الضرب أكثر خطورة على نفسيته.
- أن يضرب الطفل على أمور كبيرة: فلا يكون الضرب بسبب خطأ بسيط ارتكبه، فقد أوصانا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أن نضرب الطفل التارك للصلاة في سن العاشرة.
في النهاية نؤكد أن هنك بدائل لعقاب الطفل وتعديل سلوكه، وأننا لو استخدمناها بالطريقة الصحيحة ستجدي نفعاً بالتأكيد.