في السنوات الأخيرة أصبح موضوع الاحتباس الحراري والتغير المناخي يُسبب جدلاً كبيراً حول العالم، ففي الوقت الذي ظهرت فيه العديد من الحركات التي بدأت تدعو لحماية البيئة ومحاربة الاحتباس الحراري ظهرت فئة أخرى تقول أنّ الأمر ليس أكثر من مجرد خدعة سياسية كبيرة وأنّ الكوكب ليس في خطرٍ حتى، لكن ارتفاع درجات الحرارة الذي تنبأ به العلماء من عقود طويلة بدأ يظهر الآن بتقلبات مناخية غير اعتيادية وتوسع لحرائق الغابات وارتفاع الوفيات الناتج عن الاحترار العالمي.
الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي (بالإنجليزية: Global Warming) هو ارتفاع معدلات درجة الحرارة طويل الأمد لكوكب الأرض نتيجة ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي والذي شهد تزايداً استثنائياً وخطيراً خلال القرن الماضي، ويعتبر النشاط البشري أهم أسباب الاحتباس الحراري، وعلى رأسه ارتفاع معدلات استهلاك الوقود الأحفوري والحيوي والزحف على الغابات وارتفاع نسبة السكان.
وفق وكالة ناسا الأمريكية لا يؤثر الاحتباس الحراري على الطقس (Weather) بشكل قصير المدى ومباشر، بل يؤثر على المناخ (Climate) وهي التغيرات التي تظهر على معدلات درجات الحرارة الإقليمية والعالمية ومعدلات هطول الأمطار والرطوبة على المدى الطويل -حوالي 30 عاماً- وتعتبر تغيرات الطقس السنوية مظهراً من مظاهر التغيرات طويلة الأمد على المناخ والاحتباس الحراري. [1,2,3]
بعتبر تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي هو السبب الأساسي للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، حيث تعمل بعض الغازات والانبعاثات كالعواكس المستخدمة في البيوت البلاستيكية، فتحبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي وتمنعها من التسرب، هذه الغازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون تمتص أمواج الحرارة المرتدة من سطح الأرض نحو الفضاء وتعيد إصدارها من جديد داخل الأرض ما سبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب. [5]
كلما زادت مستويات الغازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي سوف تزيد الموجات الحرارية التي تعود إلى سطح الأرض وبالتالي ستزداد ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد سجّلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا 19 عاماً من عام 2000 كأكثر السنوات حرارةً منذ بدء تسجيل بيانات المناخ ومراقبة الاحترار عام 1880، وكانت الأعوام 2016 و2020 أكثرها سخونة.
ما هي الغازات الدفيئة الرئيسية التي تسبب الاحتباس الحراري؟
- ثاني أكسيد الكربون (CO2) وهو أكبر المساهمين بالاحتباس الحراري، ارتفع تركيزه في الغلاف الجوي بنسبة 48% مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، وهو من الغازات طويلة العمر.
- الميثان، أقل انبعاثاً وأقصر عمراً من ثاني أكسيد الكربون على الرغم أنه أقوى في مفعوله بالاحتباس.
- أكسيد النيتروس.
- الغازات المفلورة من انبعاثات المصانع والتي يقدر تأثيرها بالاحتباس الحراري بـ 23000 مرة أكبر من ثاني أكسيد الكربون.
ينتج الاحتباس الحراري بشكل أساسي من زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي والتي ازدادت نسبتها بشكل كبير ومتنامي ضمن الغلاف الجوي في العقود الماضية، هنالك العديد من الأسباب التي أدت إلى هذه الزيادة ومن أهمها:
الصناعة: ارتفعت درجة حرارة الأرض حوالي 1.1 درجة مئوية مقارنةً بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، تؤثر الصناعة على الاحتباس الحراري بأشكالٍ مختلفة، حيث تعتمد الصناعة على إحراق كميات أكبر من الوقود وإطلاق انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون، كما تتسبب المصانع بإنتاج كميات كبيرة من النفايات التي تنتهي في الأراضي وتطلق بدورها كميات كبيرة من الانبعاثات الكيميائية التي تزيد التلوث في التربة والهواء وأذية البيئة.الازدياد السكاني: يعتبر التزايد الكبير في عدد السكان خلال القرن الماضي ومطلع هذا القرن من الأسباب الرئيسية لزيادة الاحتباس الحراري، حيث ترافقت الزيادة الكبيرة في السكان مع إهمال مصادر الطاقة النظيفة واتساع النشاط العمراني والصناعي والرعوي الذي ينتج كميات أكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة.الزراعة وتربية الحيوانات: تحتاج الزراعة وتربية الحيوانات إلى مساحات كبيرة وشاسعة وبالتالي قد تُزيل مساحاتٍ كبيرة من المناطق المشجرة والغابات، كما أنّ الحيوانات الداجنة تُنتج الكثير من الغازات الدفيئة مثل الميثان وكميات كبيرة من النفايات.شبكات النقل: إنّ معظم أنواع شبكات النقل المختلفة سواء البحرية أو الجوية أو البرية تعتمد في عملها على احتراق الوقود الأحفوري كالديزل والبنزين، احتراق الوقود العضوي يتسبب بإطلاق الكثير من الملوثات في الجو كما ينتج عنه إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يعتبر من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.التنقيب عن النفط: التنقيب عن النفط والحفر من أجل استخراجه مسؤول عن قرابة 30% من كمية الميثان و8% من ثاني أوكسيد الكربون المنبعث للهواء، إضافة لذلك فهو يؤدي لإطلاق العديد من الغازات الضارة والتي تزيد من حدة وسوء الاحتباس الحراري.محطات توليد الكهرباء: يعتمد العالم بنسبة كبيرة على محطات توليد الطاقة الحرارية التي تعمل عبر حرق أنواع الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، توليد الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري ينتج الكثير من الملوثات التي تؤثر على كل من الهواء والماء في ذات الوقت، والفحم المستخدم لتوليد الكهرباء في المحطات الحرارية مسؤولٌ عن قرابة 46% من الكربون المنبعث في الجو.النفايات: عندما لا يكون من الممكن إعادة تدوير النفايات فإنّها تُرمى في مكبات النفايات لتتحلل هناك، عملية التحلل هذه ينتج عنها بعض أنواع الغازات الدفيئة التي تنطلق للغلاف الجوي، كما أنّ التخلص من النفايات في بعض الأحيان يتم عن طريق الحرق الذي يؤدي أيضاً لانطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون بين عدة غازاتٍ ضارة أخرى تساهم في زيادة الاحتباس الحراري.إزالة الغابات والمساحات الخضراء: يوماً بعد يوم تتناقص المساحات المزروعة بالأشجار الخضراء في الغابات إما بهدف الاستفادة من أخشاب هذه الأشجار أو من أجل الاستفادة من الأرض للسكن أو لأسبابٍ أخرى، إزالة الأشجار تعني فقدان العنصر الذي كان يقوم بإزالة الكربون من الهواء وتخزينه في الأرض والأخشاب وإطلاق الأوكسجين في المقابل.الزيادة في صيد السمك: يعتبر السمك من أهم مصادر البروتين الحيواني الذي يعتمد عليه الكثيرون حول العالم كمصدر غذائي، زيادة الطلب وزيادة الصيد في البحار أثر على الحياة البحرية وقلّل من وجود الكثير من الكائنات البحرية التي تقوم بسحب الكربون ما ساهم في زيادة الاحترار العالمي.إنّ تأثير الاحتباس الحراري على البيئة شديدة بشكلٍ يسمح لنا بالقول بأنّ الاحتباس الحراري كارثة بيئية قادمة إنّ استمر الحال هكذا، وتتمثل أبرز أضرار الاحتباس الحراري:
المزيد من العواصف وتقلبات الطقس: زيادة درجات ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم سوء الكثير من حالات الطقس كالعواصف والفيضانات والجفاف وغيرها، كما أنّها تؤدي إلى تغيرات خطيرة في المناخ فتصبح المناطق الرطبة أكثر رطوبة والجافة أكثر جفافاً، ونشاهد اليوم توقعات العلماء منذ 30 عاماً حول ارتفاع معدلات حرائق الغابات وطول موجات الحر وقسوتها بسبب الاحتباس الحراري.زيادة تلوث الهواء: ارتفاع درجات الحرارة تزيد من تلوث الهواء من خلال زيادة مستويات الأوزون قرب سطح الأرض، تلوث الهواء يزيد من حدوث الضباب الدخاني ويزيد من الأمراض التنفسية ومعدلات الوفيات لمرضى الربو والحساسية.انقراض الأنواع وتهديد التنوع البيئي: التغيرات الناتجة على البيئة تؤثر على الحيوانات والكائنات البرية والبحرية، وتزيد من مخاطر الانقراض والتغيرات السريعة في التنوع البيئي، وقد بينت الدراسات أنّ الكائنات الحية أصبحت تختفي وتنقرض بمعدلات أسرع بكثير من المعدلات الطبيعية.زيادة نسبة الحموضة في المحيطات: بسبب امتصاص المحيطات لنسبة كبيرة من الانبعاثات الغازية الناتجة عن الصناعة فإنّ مستويات الحموضة في المحيطات أصبحت تتزايد وهو أمرٌ يُهدد بشكل مباشر أشكال الحياة الموجودة في المحيطات وخاصة الكائنات القشرية.ارتفاع منسوب مياه البحار: تتأثر المناطق القطبية بشكل كبير بسبب ارتفاع درجات الحرارة حيث يؤدي ذلك إلى ذوبان الثلوج بسرعة متزايدة، التأثير الأكثر خطورة لذوبان ثلوج القطب المتجمد هو ارتفاع منسوب المياه. وفقاً لتقديرات العلماء فإنّ منسوب مياه البحر سوف يزيد بمقدار نصف متر لحدود متر وهو ما يُهدد الحياة البحرية ويهدد بعض المناطق الساحلية أيضاً.ارتفاع حرارة المسطحات المائية: تعيش الكائنات البحرية متأقلمة مع درجات جرارة معينة في الأعماق المختلفةـ والتغيرات الكبيرة والمتسارعة لدرجة حرارة مياه البحار والمحيطات قد تقضي على العديد من الأنواع البحرية.ارتفاع معدل الوفيات: يعتبر الاحتباس الحرارية من أكبر التحديات الصحية التي بدأ العالم يلمس أثرها مؤخراً، حيث أن نسبة الوفيات الناتجة عن ارتقاع درجات الحرارة والتقلبات المناخية المرتبطة بالاحترار العالمية آخذة بالارتفاع، وتشهد دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية معدلات أعلى من الوفيات بسبب الحرارة مع مرور الزمن، كما يعتقد أن البيئات الفقيرة والدول النامية ستكون الأكثر تضرراً بالمستقبل من المشاكل الصحية المرتبطة بالتلوث والاحتباس الحراري. [7]رغم أنّ مشكلة الاحتباس الحراري هي مشكلة كبيرة وتؤثر على العالم بأسره إلا أنّ هناك ما يمكن القيام به لإبطاء معدلات تفاقم المشكلة، وحيث أنّ حلول الحلول للاحتباس الحراري تتضمن مواجهة الأسباب فإليك بعض الحلول المتاحة:
تحسين أنظمة النقل والمواصلات: يمكن تحسين نظام النقل من خلال الانتقال إلى السيارات الكهربائية في حال كان الأمر ممكنا والتوجه إلى استخدام وسائل النقل العامة الجماعية بدلاً من السيارات الخاصة. من الممكن أيضاً الاعتماد على بعض وسائل التنقل النظيفة مثل ركوب الدراجة والمشي عندما تكون المسافة غير كبيرة.ترشيد استهلاك الكهرباء:توليد الكهرباء من المحطات الحرارية هو أحد أهم العوامل لزيادة انبعاثات الكربون في الجو ولذلك سيكون من المفيد أن تقوم كخطوة أولى بتقليل استهلاكك لها، هناك طرق متعددة للقيام بذلك منها:- استخدام أدوات كهربائية ذات فعالية عالية وصديقة للبيئة (تتوفر تقييمات فعالية توفير الطاقة على الملصقات الخارجية للأجهزة).
- الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة من طاقة شمسية وحركية.
- التقليل من استخدام الأدوات والأجهزة المنزلية دون داعي.
- تعزيز وتطوير البنية التحتية للأبنية واستخدام تقنيات العزل والتصميم الصديق للبيئة، فالعزل الجيد يقلل الحاجة للتكييف صيفاً وللتدفئة شتاءً.
استخدام مصادر الطاقة البديلة: بإمكانك اليوم تركيب ألواح الطاقة الشمسية على سطح منزلك أو استخدام العنفات الريحية مثلاً أو استخدام السخانات الشمسية (لتسخين المياه باستخدام أشعة الشمس)، وفي حال كان ذلك غير ممكن حاول البحث عن شركات طاقة تقوم بتوليد الكهرباء النظيفة أو استخدام الطاقة النووية مثلاإعادة تدوير النفايات: إعادة التدوير بمختلف مستوياتها تعتبر من الإجراءات المهمة للحفاظ على البيئة والنظام البيئي من التدهور، وعلى الرغم أن سياسات إعادة التدوير يجب أن تحظى برعاية حكومية وبرامج موجهّة لإعادة تدوير نفايات البيوت والمصانع، لكن أيضاً يلعب الأفراد دوراً كبيراً في إعادة التدوير من المصدر.زراعة الأشجار: من الممكن لك أن تُساهم شخصياً إما في زراعة الأشجار في المنطقة التي تعيش فيها أو بتوفير المال للمنظمات التي تقوم بزراعة الأشجار في الغابات المطرية كغابات البرازيل والهند، زراعة الأشجار توفر طريقة فعالة لامتصاص الكربون من الجو واحبسه في التربة وبالتالي تقليل ضرر الاختباس الحراريتقليل هدر المياه والطعام: يُساهم هدر المياه والطعام في زيادة أثر الاحتباس الحراري وذلك بسبب الطاقة المصروفة لإيصال المياه إلى المدن والمنازل والطاقة المهدورة من أجل إنتاج الخضروات والفاكهة بما يتضمن استخدام المبيدات والري وغيرها.التوعية بمخاطر الاحتباس الحراري: على الرغم من تحقّق تنبؤات تغيير المناخ بشكل صادم وظهور الكثير نواقيس الخطر والإشارات الحمراء، ما زال معظم الناس لا يقدرون خطورة الموقف البيئي كما يجب، لذلك علينا لعب دور إيجابي بالتوعية بمخاطر الاحتباس الحراري والاحترار العالمية، انطلاقاً من منازلنا وتربية الأبناء وصولاً إلى المدارس والجامعات والتوعية المجتمعية الشاملة.أظهر دعمك للبيئة والكوكب: عندما تدرك تأثير الاحتباس الحراري وتعلن دعمك للكوكب سيتردد صدى الصوت بقوة ويدفع الحكومات لاتخاذ إجراءات تدفع المصانع لاتخاذ تدابير هامة لحماية البيئة وتقليل انبعاثات الكربون، هذا يتضمن إجراءات مثل استخدام التقنيات الحديثة الصديقة للبيئة واعتماد مصادر طاقة بديلة مثل الكهرباء المتولدة من المصادر المتجددة في المصانع. [8،9]من الشائع أن تسمع من يقول "انظر لبرودة الجو في الخارج أو شاهد تساقط الثلوج لترى كيف أنّ الاحتباس الحراري كذبة" وهذا قد يدفعك لتسأل نفسك هل الاحتباس الحراري كذبة حقاً؟
في الواقع الاحتباس الحراري ليس كذبة على الإطلاق ولكنّه لا يعني بالضرورة ارتفاع درجات الحرارة في كل مكان وفي كافة الأوقات، فالانعكاس الحقيقي للاحترار العالمي يكون تراكمياً وينعكس على المناخ خلال فترات زمنية طويلة نسبياً قل لا يتأثر بها الطقس الآن وفي كل مكان لكنه قطعاً سيتأثر في وقت لاحق، وقد استخف العالم سابقاً بتوقعات العلماء من عقود طويلة بارتفاع الحرارة وتسارع ذوبان الثلوج وارتفاع مستوى البحار والمحيطات، لكن كل هذه التنبؤات العلمية أصبحت أمراً واقعاً اليوم.
والاحتباس الحراري يمكن أن يزيد من تساقط الثلوج لأنّه يزيد من معدلات تبخر المياه من البحار وبالتالي يزيد من كميات الثلوج التي سوف تسقط على اليابسة، لكنه في نفس الوقت يزيد من ذوبان الكتل الجليدية وارتفاع مستوى المحيطات، كما أنّ زيادة الحرارة في الصيف وزيادة عدد الأيام ذات الجو الحار والدافئ تجعلنا نحسن ببرودة الشتاء الطبيعي بشكلٍ أكبر. [10]
في الختام... تأكد من أنّ عليك أن تكون أكثر اهتماماً بالاحتباس الحراري لأنّه سوف يؤثر على مستقبلك ومستقبل أطفالك وأحفادك وستكون آثاره كارثيةً على المديين القريب والبعيد.
المصادر و المراجعaddremove
أحدث أسئلة أسئلة عامة