تعريف نشوز الزوج وكيف عالج الإسلام الزوج الناشز
قد يستغرب البعض من مصطلح "الرجل الناشز" ويظن أن النشوز يكون للمرأة فقط، لكن القرآن الكريم ذكر نشوز الزوج الرجل في نفس السورة التي ذكر فيها نشوز الزوجة -سورة النساء- واجتهد أهل العلم والفتوى في تفسير معنى نشوز الرجل الوارد في الآية الكريمة "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا" ثم بتفسير مصطلح النشوز ومتى ينطبق على الرجل، وكيف يعالج الإسلام نشوز الزوج.
هل يقال عن الرجل ناشز!
النشوز في الإسلام هو خروج أحد الزوجين عن الواجبات الزوجية والأسرية المحددة في الشرع، وجاء تعريف نشوز الزوج في تفسير ابن عادل الحنبلي أنه "ترك مجامعة الزوج لزوجته وهجر مضجعها، وإعراضُ الزوج بوجْهه عَن زوجته، وقلة مُجَالَسَتِها"، وذهب بعض أهل العلم لتعريف نشوز الرجل أنه علامة من علامات الكراهة وطلب الفرقة، والزوج الناشز هو الذي يمنع عن زوجته حقوقها الشرعية أو يعتدي عليها بغير سبب.
والنشوز في اللغة العربية يعني الارتفاع والاستعصاء والترفّع، وفي الاصطلاح الإسلامي الزوجة الناشز هي المترفّعة عن زوجها، والتي ترتفع عن مكان مضاجعته وتخرج عن طاعته وتعْرِض عنه وتترك أمره، والزوج الناشز هو الذي يرتفع عن مكان مضاجعة زوجته ويعْرِض عنها ويحرمها من حقوقها، ورأى بعض أهل العلم أن نشوز الرجل فيه ما يكون لعلة النفور والكراهة والرغبة بالفرقة، وفيه ما يكون ظلماً للزوجة وعدواناً على حقوقها التي أقرّها لها الشرع. [1,2]
آية الزوج الناشز في القرآن هي قوله تعالى: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" سورة النساء آية 128.
وتثبت الآية الكريمة صفة النشوز على الرجل، وهو ما فسره أهل العلم بإعراض الزوج عن زوجته والتقصير في حقوقها أو الرغبة بفراقها إلى غيرها دون مبرر أو مسوّغ، وفي قوله تعالى "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا" أي أن للزوجة التي تخاف إعراض زوجها عنها ونشوزه أن تتفق معه على تكييف حياتهما بما يضمن استمرار زواجهما دون أن يكون على أحدهما إثم، ويكون ذلك بإحسان بينهما وقبول.
فسّر ابن كثير آية نشوز الزوج فقال: إذا خشيت الزوجة أن ينفر زوجها عنها أو يعرض عنها فلها أن تتنازل عن بعض حقوقها وله أن يقبل ذلك، فيكون الزوج في حلٍّ من تلك الحقوق وتظل الزوجة على عصمته وذمته.
وهذا يرجعنا إلى سبب نزول هذه الآية، عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنه قال: خشيَتْ سَودةُ -زوج النبي- أن يطلِّقَها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَت: لاَ تطلِّقني وأمسِكْني، واجعَل يَومي لعائشةَ، ففعلَ فنزلَت: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. [4,3]
على الرغم من استعمال المصطلح نفسه "النشوز" للرجل وللمرأة، لكن هناك فرقٌ كبيرٌ بين نشوز الزوج ونشوز الزوجة، يترتب على قوامة الرجل في الإسلام، وأهم الفروق بين الرجل الناشز والمرأة الناشز:
- تأديب الزوجة الناشز على يد زوجها: أباح الإسلام للزوج تأديب زوجته الناشز بنفسه ولم يبح للزوجة تأديب زوجها الناشز بنفسها، فالزوج يقوم على تأديب زوجته الناشز وفق شروط محددة وبالترتيب، فأول تأديب الزوجة الناشز يكون بالعظة، ثم بالهجر في المضاجع، ثم بالضرب وله أيضاً معايير، وأمر الله تعالى الرجل ألّا يتعسّف بالعقاب، فإن أنابت المرأة وأطاعت لا يبغي عليها. قال تعالى "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" سورة النساء 34.
- لا يحق للزوجة تأديب الزوج الناشز بنفسها: أما في حالة الزوج الناشز فقد وضع الشرع التأديب بيد القضاة، فالزوجة لها على زوجها الناشز أن تصطلح معه بالتنازل عن بعض حقوقها لتجنّب الطلاق، وإن كان ظالماً أو يحرمها من حقوقها ويعتدي عليها فلها أن تشكوه إلى القاضي الذي يحكم بينهما ويؤدّب الزوج الناشز بأحكامٍ تصل للضرب والتعزير.
- نشوز الزوج لا يُسقِطُ عنه قوامته: يحافظ الرجل على القوامة حتى وإن انطبق عليه حكم النشوز، قال تعالى "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" النساء 34. ولذلك لم يمنح الإسلام الحقّ للمرأة بتأديب زوجها بنفسها لأنه قوّامٌ عليها.
ومن الدلائل على ذلك سبب نزول آية نشوز الزوجة وتأديبها، أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشكو زوج ابنته -سعد بن الربيع- فقال له: يا رسول الله لقد أفرشته كريمتي فلطمها -أي زوجته ابنتي فضربها- فقال صلى الله عليه وسلّم: لتقتصّ مِن زوجها -أي لترد له ما فعله- فلما مضت الزوجة ووالدها أرجعهما النبي عليه الصلاة والسلام لنزول هذه الآية "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" وقال صلى الله عليه وسلّم: أردنا أمراً وأراد الله غيره. - نشوز الزوج نادر الحدوث: يقول علي السايس في كتابه "تفسير آيات الأحكام" أنّ الله تعالى خصّ نشوز المرأة بصيغة الجمع فقال "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ" لأن من طبيعة المرأة أن يكثر نشوزها، فيما خصّ نشوز الرجل بصيغة المفرد فقال تعالى "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا" لأن نشوز الرجل لا يكون إلّا لأسباب قاهرة. [5,6,7]
اتفق أهل العلم والفتوى أن الزوج يطلق عليه ناشز إذا أعرض عن زوجته وهجر مضجعها وحرمها من حقوقها الشرعية بغير مبرر، ويرى أستاذ الفقه د. ياسر النجّار أن نشوز الرجل على وجهين، نشوز الزوج الذي لا يجوز الإقدام عليه وهو محرّمٌ كالشتم والضرب بغير حقّ وحرمان المرأة من حقوقها الشرعية، وهو مخالفةٌ للشرع يجوز معه طلب الحكم من القاضي لينظر في أمر الزوج، ونشوزٌ يكون بالإعراض وميل القلب عن الزوجة وما يترتب عليه من جفاء وهجر، وهو ما نزل فيه قوله تعالى "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ". [8,9]
أي يجوز ميل قلب الرجل لإحدى زوجاته دون غيرها على ألّا يؤثر ذلك على حقوق الأخرى، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: اللَّهمَّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. ويقصد ميل قلبه إلى أمّ المؤمنين عائشة.
عالج الإسلام نشوز الزوج بالصلح بين الزوجين من خلال الاتفاق على تكييف الحياة الزوجية لتجنّب التفريق ودون أن يكون أحد الزوجين آثماً، والصلح في قوله تعالى "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا" ليس واجباً بل مباحاً، أي أن الآية الكريمة تبيح للزوجين التنازل أحدهما للآخر عن بعض الحقوق تجنّباً للتفريق بينهما "وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا" النساء آية 130.
أمّا إذا كان نشوز الزوج عدواناً وظلماً، كالضرب بغير مسوّغٍ شرعي أو الشتم أو منع النفقة وترك المضجع... فلا يصحّ ولا يجوز تأديب الزوج الناشز على يد زوجته أو أهلها، بل يكون ذلك من خلال اللجوء للقضاء الشرعي، وينظر القاضي في أمر الزوجين، ثم يكون تأديب الزوج الناشز بحكم القاضي ومعرفته. [9]
كيف يكون تأديب الزوج الناشز؟
يجوز للزوجة طلب الطلاق إذا كان في نشوز الزوج علّة أو سبب من أسباب التفريق، أي أن النشوز بحد ذاته ليس سبباً من أسباب التفريق لأنه مصطلح واسعٌ، وإنّما ينظر القاضي في وجه نشوز الرجل ويعمل على النظر في توفّر أسباب التفريق الشرعية من منع الحقوق والتقصير في الواجبات والضرر البيّن والعيوب، ويسير التفريق بالمسار الشرعي نفسه مروراً بالتحكيم وجلسة الصلح.
ومن أسباب طلب الزوجة للطلاق في الإسلام والتي تنطبق على الزوج الناشز:
- التقصير في حقوق الزوجة: عجز أو امتناع الزوج عن القيام بواجباته الشرعية تجاه زوجته من نفقة ومعاشرة ومسكن، والامتناع هو النشوز الذي يحق للزوجة معه أن تطلب الطلاق، أما الصلح بتنازل الزوجة عن حقوقها للبقاء على عصمة الزوج فهو ليس واجباً لكنه مباح، وأمّا العجز فهو خارج إرادة الزوج ولها أن تصبر أو تطلب الطلاق.
- منع النفقة بخلاً أو عجزاً: من أسباب التفريق أن يكون الزوج مقتراً بخيلاً أو يمنع عنها النفقة، وإن كان منع الزوج للنفقة عن الزوجة بسبب عسر حاله فلها أن تصبر أو تطلب التفريق.
- ضرب الزوجة وإهانتها: تعرض الزوجة للضرب بغير سبب أو تعرضها للإهانة والشتم من أسباب طلب الطلاق، ولا يشترط تكرار ذلك، حيث يحق للزوجة طلب الطلاق من المرة الأولى حين يعتدي عليها الزوج الناشز بالقول أو الضرب.
- فجور الزوج: أن يتصل نشوز الزوج بفسق أو فجور أو فعلٍ للمحرمات والكبائر، ومنها ترك الإسلام والعبادة أو شرب المنكر أو لعب الميسر أو إتيان الزوجة من الدبر وغيرها، وفي هذه الحالة يحق للزوجة طلب الطلاق، والأولى بها أن تصبر عليه وتنصحه فإذا لم يستجب تطلب فراقه. [12]
وهناك أسبابٌ أخرى للتفريق وطلب الزوجة للطلاق في الإسلام لا تتصل بالنشوز، مثل مكوث الزوج في السجن أو سفره وغيابه، أو نفور الزوجة من زوجها دون معرفة السبب.