ثبوت شهر رمضان وعلامات دخول الشهر ورؤية الهلال
ربط الله تعالى معظم الأحكام الشرعية والعبادات بالمواقيت، أي بزمن معين للتكليف الشرعي، ومن ضمن هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالأوقات ثبوت دخول شهر رمضان والبدء الصيام، والذي ارتبط برؤية هلال رمضان، فكيف يثبت دخول شهر رمضان وما هي طرق إثباته، وما معنى اختلاف المطالع في ثبوت هلال رمضان؟ هذا ما سنتحدث عنه في مقالتنا هذه.
رؤية الهلال هي أهم علامة لثبوت رمضان ودخول الشهر الفضيل، حيث تدل رؤية الهلال على نهاية شهر شعبان وبداية شهر رمضان المبارك وبدء الصوم، ويتم تحري الهلال من خلال المراكز المتخصصة بالوسائل المتفق عليها وبإشراف الهيئات الدينية والشرعية في كل بلد، إلى جانب تحري الناس لهلال رمضان بالعين المجردة وإبلاغ الجهة المسؤولة.
وإذا تعذر ثبوت هلال رمضان بالتحري فعلى المسلمين في تلك البلد إتمام ثلاثين يوماً من شعبان، والبدء بعدها بصيام رمضان، وكذلك الأمر مع تحري هلال شوال لثبوت عيد الفطر، فإن تعذرت رؤية الهلال أكمل المسلمون رمضان ثلاثين يوماً ثم يدخل بعدها الأول من شوال يوم عيد الفطر.
ثبوت رؤية هلال رمضان بالعين المجردة:
ثبوت رؤية الهلال يكون عن طريق رؤية الناس بالعين المجردة لهلال شهر رمضان فإذا رأوه يثبت دخول شهر رمضان لقول ابن عمر رضي الله عنه: "تَراءى الناسُ الهِلالَ فأخبَرتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم أني رأيتُه فصام وأمَر الناسَ بصيامِه".حكم من رأى الهلال وحده:
من رأى هلال رمضان وحده ولم تقبل شهادته أو لم يشهد أساساً برؤيته فذهب أهل العلم واتفق الفقهاء على أن يصوم بناء على رؤيته للهلال، لقول الله تعالى (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورة البقرة آية 185، وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: "جعلَ اللهُ الأهِلَّةَ مواقيتَ فإذا رأيتموهُ فصوموا وإذا رأيتموهُ فأفطِروا" عن طلق بن علي الحنفي، أخرجه أحمد.حكم ثبوت هلال رمضان بالأقمار الصناعية:
لا يجوز الاعتماد في رؤية الهلال على الأقمار الصناعية وذلك كون الأقمار الصناعية مرتفعة عن الأرض والتي هي محل تحري وترائي الهلال وهذا قول ابن عثيمين.حكم ثبوت هلال رمضان عن طريق المرصد الفلكي:
يجوز تحري الهلال عن طريق المراصد الفلكية، ولكن ذلك ليس بواجب، فلو تم رؤية الهلال بالنظر من خلال شخص موثوق فإنه يؤخذ بهذه الرؤية وهذا قرار مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء.
هل تحري هلال رمضان واجبٌ على كل المسلمين؟
بين الواجب وفرض الكفاية وبين الاستحباب، اختلفت المذاهب في حكم تحري وترائي هلال شهر رمضان.
فتحري الهلال ومراقبته لثبوت الشهر مستحبٌ عند الحنبلية، لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثِينَ"، أما عند المذهب الحنفي فقال بعض علمائه أن تحري هلال دخول رمضان واجب على الكفاية، فإن تركه جميع المسلمين أثموا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم "أحصوا هلالَ شعبانَ لرمضانَ".
سبب اختلاف بداية شهر رمضان بين الدول هو اختلاف المطالع للهلال، أي اختلاف توقيت رؤية وثبوت هلال رمضان بين دولة وأخرى، واستطاعة رؤية الهلال في بعض الدول ما يستوجب البدء بالصيام، وتعذر رؤيته في دولٍ أخرى ما يوجب إتمام 30 يوماً لشعبان.
والسؤال هنا هل لاختلاف المطالع تأثير في بدء شهر رمضان أم لا عبرة له من الناحية الشرعية، بمعنى هل ثبوت رؤية الهلال في أحد البلدان الإسلامية يؤدي إلى ثبوته للمسلمين جميعاً؟ وذلك على ثلاثة آراء:
- اختلاف المطالع لا عبرة له: يرى أصحاب هذا الرأي أنه لا عبرة لاختلاف المطالع فإذا تمت رؤية الهلال في دولة مسلمة في الشرق فيجب على جميع الدول الإسلامية الأخرى أن تصوم سواء كانوا في الشرق أو أقصى الغرب ولو لم يروا الهلال، وهذا الرأي أخذ به فقهاء المذهب الحنفي والمالكي وهو قول الشافعية الحنابلة وأحمد.
- اختلاف المطالع يعني اختلاف وقت بدء الصوم: قال هذا الرأي باعتبار اختلاف المطالع أي أن لكل دولة رؤيتها فلا تلتزم برؤية غيرها، فمن رأت الهلال صامت ومن لم تره أفطرت حتى يكتمل شهر شعبان وقال بهذا الرأي عدة فقهاء منهم الترمذي وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد.
- المسافة بين البلدان هي الحكم في اعتبار اختلاف المطالع: يرى هذا الرأي أن اختلاف المطالع لا يعبر عندما تكون المسافة بين بلدين متقاربة، بينما يعبر اختلاف المطالع عندما تكون المسافة متباعدة بين بلدين، مع اختلاف أصحاب هذا الرأي فيما بينهم في تحديد ضابط المسافة البعيدة المعتبرة وهذا ما اعتمد عليه المذهب الشافعي والزيدية.
الوسيلة الثانية لثبوت دخول شهر رمضان إذا تعذرت رؤية الهلال هي إكمال شهر شعبان لثلاثين يوماً، ثم البدء بالصوم لرمضان في اليوم التالي للثلاثين من شعبان، فإذا لم يُرَ الهلال يوم 29 من شعبان سواء كان الجو غائماً أو صحواً يستكمل شهر شعبان 30 يوماً ويبدأ شهر رمضان في اليوم التالي، أما في حال رؤية الهلال يوم 29 من شعبان فذلك دليل على بدء شهر رمضان ويكون شهر شعبان 29 يوماً فقط.
والدليل على إكمال شهر شعبان في حال تعذر رؤية هلال رمضان قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم "فإن غُمَّ عليكم، فأتموا شعبانَ ثلاثينَ، إلا أن تروا الهلالَ قبلَ ذلك" عن ربعي بن خراش، أخرجه النسائي، والمقصود فإن غم عليكم أي حال دون رؤية الهلال حائل.
حكم صيام يوم الشك الثلاثين من شعبان
يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، والذي يخشى البعض أن يكون اليوم الأول من رمضان وإن تعذرت رؤية الهلال، وسمي بيوم الشك لأنه يكون مشكوكاً إذا ما كان آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان، فيصوم البعض في هذا اليوم احتياطاً وخوفاً من تفويت يومٍ من رمضان.
حكم صوم يوم 30 شعبان احتياطاً أو يوم الشك أنه محرّمٌ عند معظم المذاهب الإسلامية، ولا يجوز صوم الشك والاحتياط في الثلاثين من شعبان لأن الصائم لم يشهد دخول الشهر وصامه، خلافاً لقوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورة البقرة آية 185، فمن لم يشهد شهر رمضان وصام فقد تعدى حدود الله، كذلك استشهدوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بصَوْمِ يَومٍ ولا يَومَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ" عن أبي هريرة، صحيح مسلم. [5]
أجمع فقهاء الإسلام من المذاهب الأربعة الشافعية والحنفية والحنبلية والمالكية على إنكار الحساب الفلكي لثبوت دخول رمضان، والالتزام بالرؤية الشرعية للهلال والتي يقصد بها الرؤية البصرية لا الرؤية العلمية أو الحسابية كعلامة على بدء رمضان والصوم.
لا يجوز إثبات دخول شهر رمضان بالحساب الفلكي لسببين أساسيين، الأول هو إسقاط العلة التي توجب الصيام والإفطار وعي رؤية الهلال، والسبب الثاني هو إحداث علة غير شرعية (أي لم يشرعها الله) للصيام والإفطار وإضفاء حجية دينية عليها، وهي هنا الحساب الفلكي، فالعلة في الصيام هي رؤية الهلال وفق الضوابط الشرعية حتى ولو إن كان الهلال موجوداً فلكياً لكنه لم يُرَ.
وهناك بعض المتأخرين الذين قالوا بالأخذ بالحساب الفلكي لثبوت دخول شهر رمضان، ولكن لا عبرة لهذه الآراء مع انعقاد إجماع الفقهاء السابقين على رفض ثبوت رمضان بالحساب الفلكي.
كيف يتم الحساب الفلكي للهلال؟
الحساب الفلكي لثبوت رمضان يكون من خلال إجراء حسابات لحركة القمر والأرض حول الشمس فهذه الحركة لها أنماط متكررة يمكن من خلالها إجراء حسابات دقيقة لمعرفة موعد بدء شهر رمضان من خلال معرفة وقت دخول القمر في طور الهلال.
الأدلة على عدم شرعية الحساب الفلكي
استدل فقهاء الإسلام بعدم شرعية الحساب الفلكي في ثبوت هلال رمضان بعدة أحاديث نبوية ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا العَدَدَ"، ففي هذا الحديث حدد الرسول الكريم وسيلتين لثبوت رمضان لا ثالث لهما وهما رؤية الهلال بالعين المجردة أو اكتمال الثلاثين يوماً من شعبان في حال عدم رؤية الهلال، أو عدم القدرة على رؤيته.
كما قال صلى الله عليه وسلّم "إذا رأيتُم الهلالَ فصوموا وإذا رأيتموهُ فأفطِروا فإن غُمَّ عليكم فعُدُّوا ثلاثينَ" وفي الأخذ بالحساب الفلكي لثبوت شهر رمضان انتهاك للنص القرآني والآية الكريم (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورة البقرة آية 185.