مشاعر الأب عند زواج ابنته ووداع الأب لابنته العروس
بين أصوات الزغاريد والأغاني والرقصات، هناك دموع تحاول أن تتوارى عن الأنظار، ومشاعر مختلطة تكبح لتطغى مشاعر الفرح التي يجب أن تزيّن يوم الزفاف. فقد تبكي العروس ووالدتها وأخواتها فيجتمع حولهن الناس ويقفون معهن، ولكنهم ينسون والد العروس الذي لا يستطيع التحكم بمشاعره وحبس دموعه، لأنهم لم يعتادوا أن يروه حساساً وعاطفياً من قبل.
فبماذا يشعر الأب في يوم زفاف ابنته؟ ولماذا لا يستطيع حبس دموعه أحياناً؟ وكيف يستطيع التعامل مع المشاعر المختلطة التي تعتريه يوم زفاف ابنته؟ وكيف تستطيع العروس التعامل مع هذا أيضاً؟
من عادات وتقاليد الكثير من البلدان في العالم أن يسلّم والد العروس ابنته لعريسها في يوم الزفاف، وكأنه يحمّل العريس أمانة ويعطيه جوهرة ثمينة، فتخون الدموع كثير من الآباء، وتنتقل العدوى من الأب لابنته العروس ولبعض الحضور كذلك في لحظة عاطفية صادقة فيها مشاعر مختلطة لا تمحى من الذاكرة... فما هي المشاعر التي يشعر فيها الأب يوم زفاف ابنته؟
- الفخر: يفخر الأب بابنته التي كبرت وأصبحت عروساً جميلة، وقد اختارها عريسها من بين نساء العالم لتكون أميرته وحلاله، وهو فخور بها وبتربيتها.
- الخوف: فحتى لو كان الأب يعرف عريس ابنته جيداً ويثق به إلى أبعد الحدود، فإنه لا يستطيع التخلص من الخوف عليها، والخوف أن يكون اختيارها غير موفق، كما يخاف ألا تكون ابنته التي هي الأغلى على قلبه ليست كذلك بالنسبة لزوجها أو لأهله فيجرحونها أو لا يقدّروها...
- الحزن: فقد غادرت ابنته البيت الآن وأصبح مكانها فارغاً، وصار لديها الآن عائلة جديدة ستصبح أولوية في حياتها، ولم يعد يراها كل يوم ويستمع لضحكاتها وأحاديثها، وسيشتاق لمناوشاتها والفوضى الجميلة الناعمة التي كانت تتركها وراءها في كل أركان البيت.
- المفاجأة: بالرغم من أن العريس وأهله أتوا وطلبوا منه ابنته قبل فترة ووافق هو على ذلك، وشهد أيام الخطبة وعجقة التجهيز لحفل الزفاف، كما أنه ومنذ أن رزق بها وهو يعلم أن هذا اليوم آتٍ بلا محالة، وأنه يقترب كلما كبرت أمامه، إلا أنه يتفاجأ عندما يأتي فعلاً لأنها مازالت بالنسبة له طفلته الصغيرة المدللة حتى لو لم يعبّر لها عن مشاعره أو إن كان قاسٍ عليها.
- الفرح: فبالرغم من كل المشاعر السلبية التي يشعر بها الأب، إلا أنه فرح بزواج ابنته ودخولها قفص الزوجية لتكوّن بيتاً وأسرة وتستقر بالقرب من الرجل الذي يحميها طوال عمرها. [1]
عندما يشعر الأب بهذه المشاعر المختلطة قد تدمع عيناه خفية أو ربما يبكي بحرارة... لماذا؟ [2،3]
- لأنه كان يحسب حساب هذا اليوم ويخشاه منذ أن رزق بابنته.
- لحساسية وخصوصية العلاقة بين الأب وابنته؛ فهو حبها الأول، وهي الأنثى التي كان معها بكل تفاصيل حياتها، وهو بطلها وحاميها.
- لأنه تعود أن يكون صلباً طوال حياته وفي المواقف المختلفة، ولكن هذا الموقف بالذات قد كسره وغلبه.
- لأنه لا يحمل الكثير من المسؤوليات على عاتقه يوم زفاف ابنته؛ فالأم والأخوات والصديقات يقمن عادة بكل شيء، وكذلك أهل العريس. وطبعاً وقت الفراغ يجعل الشخص يفكر أكثر.
- لأنه هو الذي يسلّم العروس بيده لعريسها... فيشعر وكأنها تخرج من بيته وكنفه وولايته ومسؤوليته لتذهب لحضن رجل غريب قد أخذها منه.
- لأنه يخشى ألا يبقى كما كان دائماً - الرجل الأول في حياتها.
- لأنه عادة يتفاجأ برؤيتها بفستان الزفاف وقد أصبحت جاهزة للحفل، وهذا يدخل على قلبه مشاعر مختلطة توتره.
- لأنه قد يعتبر أن عريسها قد خطفها منه وربما لن يصون الأمانة، فتراه يعلق على تصرفاته ولا يحبه وقد يكرهه أيضاً.
- لأنه يتذكر كمية الألم الذي مر به والد زوجته في الماضي عندما سلمها له، وقد يندم على اللحظات التي لم يحسن لزوجته فيها، ويشعر أن الله قد يعاقبه برجل قد لا يحسن لابنته مثلما لم يحسن هو لابنة الناس.
قد يكره الأب أن يوضع في هذا الموقف في هذا اليوم بالذات حتى لا يظهر بمظهر الرجل الضعيف الباكي أمام ابنته وأمام الناس، وخاصة أنه اعتاد أن يكون تلك الصخرة التي يستند الكل عليها، ولكي لا يفسد فرحة ابنته والعريس وحتى فرحته هو والجميع بالزفاف... هناك طرق تساعده على إدارتها والتعامل معها بشكل صحيح، منها:
- أن يتكلم مع ابنته العروس قبل حفل الزفاف، ويحدثها عن مشاعره ويسألها عن مشاعرها ويترك لها ولنفسه المجال للبكاء والفضفضة واستعادة الذكريات قبل الحفل، هذا سيقلل من المفاجأة عنده وسيعطيه المجال لإخراج بعض المشاعر السلبية قبل يوم الزفاف، وبالتالي تقليلها في هذا اليوم.
- أن يشغل نفسه يوم زفاف ابنته، فلا يبق جالساً وحيداً يجتر الألم والذكريات.
- أن يطلب من والدة العروس أو أخواتها أو النساء اللاتي معها أثناء تجهيزها يوم الزفاف أن ينادوه لرؤيتها بعد أن تنهي مكياجها وقبل ارتداء فستان الزفاف، ومن ثم بعد ارتداء الفستان. أي أن يراها وهي في مراحل التجهيز وليس فجأة وبعد أن تجهز بشكل كامل لتقليل عنصر المفاجأة، وحبذا لو رآها بالفستان قبل يوم الزفاف.
- ممارسة بعض تمرينات الاسترخاء والتمرينات الرياضية البسيطة كالمشي في الهواء الطلق قبل موعد الزفاف، والتعود على ذلك.
- أن يتحلى بالإيجابية وأن يثق بقرار ابنته وباختيارها، وأن يبحث عن نصف الكأس المليء بأن يقول لنفسه أن ابنته قد كبرت الآن وتزوجت وستكون سعيدة ومستقرة في بيتها، وستبقى ابنته دائماً وتزوره وتكلمه كما كانت من قبل، حتى لو سافرت بعيداً؛ فوسائل الاتصال والتواصل كثيرة ومتاحة للجميع. وأن يثق بعريس ابنته ويفكر به بأنه أخذها ليسعدها ويهتم بها وليس ليهينها ويسرقها منه، وأنهم بعد فترة وجيزة لينجبوا له الأحفاد، وأنه كسب ابناً آخر وليس صهراً فقط.
- أن يتحاشى وجوده بالقرب من العروس كلما أحس أنه سيبكي، بأن يذهب للجلوس في سيارته أو في مكان لوحده ليبكي ويفضفض براحة تامة.
- في يوم الزفاف عليه أن يعتاد أن يأخذ نفساً عميقاً ويفكر بأمر جميل أو موقف مضحك كلما أحس بعاطفية الموقف؛ خاصة عندما يتم إعلان العروسان زوجة وزوجة، وعندما يسلمها لعريسها، وعندما يراها بالفستان الأبيض، وعندما يرقص معها.
- عندما يشعر أنه سيبكي فعليه أن تكون تعابير وجهه محايدة وأن يقف بثقة ويشد كتفيه وظهره ويرفع رأسه للأعلى ليخدع عقله الباطن بأنه بموقف ثقة، وأن يرفع رأسه لأعلى أو أن يرمش بكثرة إن كان قد بدأ بالبكاء حتى لا تنهمر دموعه على وجهه.
- عليه أن يعلم أن الدموع لا تعيب الرجال، بل على العكس هي مصدر قوتهم وعاطفتهم وإنسانيتهم.
- عليه أن يتجنب الأحاديث العاطفية مع العروس أو مع الناس؛ كالذكريات التي في مخيلته عن العروس. [5]
يلجأ الكثير من الآباء إلى كتمان مشاعرهم وإنكارها وحبس دموعه في هذا الموقف، ويلجأ آخرون للهروب والتظاهر بالانشغال لتفادي اللحظات العاطفية هذه. لكن هذا الأمر ليس صحياً أبداً؛ لأن كتمان المشاعر السلبية يسبب مشكلات نفسية كثيرة وتراكمات وقد تؤدي للانفجار بالبكاء أو للدخول في نوبة عصبية مفاجئة، كما قد تؤدي لمشكلات صحية كارتفاع ضغط الدم ومشكلات في القلب والشرايين وغيرها.
من هنا يجب التحلي بمهارات الذكاء العاطفي والاعتراف بهذه المشاعر وعدم إنكارها، والتعبير عنها وإدارتها بشكل صحيح . لذا فمن المهم أن يسمح الأب لنفسه بالبكاء والتعبير عن مشاعره عند زواج ابنته، وكذلك العروس، وهذا سيريحهما وسيقلل من تراكم المشاعر السلبية في يوم الزفاف. [4]
قد تكره العروس هذه اللحظة لكثير من الأسباب منها أنها لا تود أن تودع والدها بالدموع، ولا تريد أن يفسد شيء فرحته بها، ولأنها لا تريد أيضاً أن تفسد ماكياجها وإطلالتها التي حرصت أن تكون باهية ليراها الجميع جميلة ولتظهر كذلك في الصور التي تحتفظ بها طوال حياتها... من نصائحنا للعروس:
- أن تجلس مع والدها قبل يوم الزفاف، وأن تخبره بأنه الرجل الأول والأغلى في حياتها، وأن زواجها لا يعني تخليها عنه أو ابتعادها حتى.
- أن تجعله معها بكل تفاصيل العرس والتحضيرات، وتأخذ رأيه بفستان الزفاف والتسريحة...
- أن تؤمِن معه شخصاً إيجابياً وموثوقاً ليكون معه أثناء انشغالها ووالدتها وأخواتها بالتحضيرات يوم الزفاف، وأن توصيه عليه.
- أن تكون أكثر مرحاً عندما يراها للمرة الأولى بعد أن أصبحت جاهزة وفي المواقف العاطفية، وأن تتحاشى النظر إليه مباشرة حتى لا تستفز دموعه.
- إن لاحظت أنه قد يبدأ بالبكاء، فيفضل أن تجلس معه لوحدهما حتى لا يتسبب له هذا الموقف بالخجل وخاصة أن الرجال لا يحبون البكاء أمام الناس ويشعرون بذلك أنهم ضعفاء.
- ألا تمنع نفسها من البكاء هي أيضاً، فموضوع الماكياج يمكن إصلاحه، يمكنها أن تطلب من الكوافيرة أن تعطيها بعض النصائح التي تساعدها لتثبيت الماكياج من جديد إن اضطررت للبكاء، والتأكد أنها تستخدم الماكياج المضاد للماء والجيد حتى لا يفسد بسرعة، وأن تطلب من إحدى النساء اللاتي بجانبها أن تساعدها في إصلاحه.
تذكر عزيزي الأب أن الزواج هو سنة الحياة، وأن زواج ابنتك لا يعني بعدها عن حضنك أو تخليها عنك أو تراجع دورك كأب وسند في حياتها، وتذكر أيضاً أنك كنت يوماً مكان العريس وأخذت أمها من بيتها وأهلها، وكانت مشاعر والدها وقتها تماماً كمشاعرك أنت اليوم.