صدمة الرفض العاطفي والهجر وتأثير الرفض على النفسية
جميعنا نرغب في الحصول على علاقةٍ عاطفية مليئةٍ بالحب والسعادة، ولكن الطريق إلى علاقةٍ ناجحة قد لا يكون ناجحاً من المرة الأولى، عند المسير على طريق الحب حتى أكثر الأشخاص جمالاً أو سحراً أو ذكاءً قد يتعرضون للرفض العاطفي بشكلٍ أو بآخر. التعرض للرفض العاطفي ليس سهلاً دوماً، بل قد يتسبب بصدمةٍ وألم شديد حتى أنّ العلماء وجدوا أنّ الدماغ البشري يستجيب للرفض بذات الطريقة التي يستجيب فيها للألم الجسدي.
تعرض الشخص للرفض يمكن أن يتسبب له بألم كبير لأنه قد يجعله يشعر وكأن الطرف الثاني لا يقبله ولا يقدره، فينظر لنفسه على أنّه شخصٌ غير مرغوبٍ به، في بعض الأحيان يمكن أن يكون الرفض بسيطاً ويُشفى وحده مع مرور الوقت لكن وفي بعض الحالات قد يتطور الأمر ويترك أثراً عميقاً على الفرد يتمثل في: [1]
- الصدمة النفسية (Trauma): التعرض للرفض بشكلٍ طويل الأمد يمكن أن يتسبب لك بمشاعر متطرفة تؤدي إلى صدمة نفسية وهو ما يمكن أن يؤدي لعواقب نفسية خطيرة، على سبيل المثال قد يؤدي الأمر إلى مشاكل في تكوين العلاقات والإصابة بالحساسية والخوف المستمر من الرفض.
- الألم: بما أنّ استجابة الدماغ للرفض العاطفي تُشابه استجابته للألم الناتج عن مسببات فيزيائية فمن المنطقي أن نقول إنّ الرفض يُسبب الشعور بالألم وأنّ هذا الألم الاجتماعي يماثل الشعور بالألم الفيزيائي.
- استغلال الشركاء في العلاقة: يمكن للتعرض للرفض العاطفي أن يجعل الشخص أكثر ميلاً لاستغلال شركائه العاطفيين لاحقاً في المستقبل، فقد بينت إحدى الدراسات وجود ارتباط بين التعرض للرفض في الطفولة واستغلال الشريكة عند البلوغ، لدى عينة من الذكور.
إن كنت تعتقد أنّ الرفض العاطفي واحد فأنت مخطئ تماماً فبعض الأشكال من الرفض العاطفي يمكن أن تترك جروحاً أكثر عمقاً من غيرها، بالطبع قد يختلف الأمر من شخصٍ لآخر ولكن يمكننا تصنيف أشكال الرفض العاطفي كالتالي: [2]
- التصرف بشكل سيء من أجل دفع الآخر للبحث عن بديل: هذه الطريقة مؤلمة للغاية ولا تُراعي مشاعر الشريك، ورغم اعتقاد البعض بأنّ هذه الطريقة تُسهل الانفصال عنهم إلا أنها لا تُسبب سوى الألم والصدمة للشريك.
- الاختفاء فجأة: وهي من الطرق السيئة للانفصال أيضاً، فهي طريقة جبانة وغير مراعية للمشاعر ناهيك عن أنّها لا تُعبر سوى عن ضعف من يقوم بها، الاختفاء المفاجئ من حياة الشريك لا يُعبر إلا عن الخوف والضعف وعدم النضج وفي المقابل تترك الشريك مع إحساس بالصدمة والألم.
- الابتعاد بشكل تدريجي: المشكلة الأكبر في هذه الطريقة هي أنّها تُسبب الألم على المدى الطويل وهي أشبه بالتسبب بجرحٍ صغيرٍ بشكل يومي، الضرر الذي يحدث بسبب هذه الطريقة يتجدد بشكل مستمر ويُحدث ندوباً عميقة لدى الشريك.
- انتقاد الشريك بشكل مستمر لدفعه للابتعاد: من الشائع أن تُستخدم هذه الطريقة مع الأحباء والأصدقاء أيضاً وهي طريقة قاسية للغاية، قد يُفكر من يتبع هذه الطريقة بأنّه على الأقل سيكون صادقاً في كلامه مع الشريك ولكنّه يتناسى أيضاً مدى الأذى الذي تُسببه لشخصٍ يكنّ له الحب والاحترام، في النهاية إن نجحت هذه الطريقة بتحقيق الانفصال فإنّها ستقضي على أي احترامٍ أو ما شابهه من مشاعر إيجابية يمكن أن يكنها الشريك له بعد الانفصال.
- الرفض في مكانٍ عام: قد يختار البعض أن يُصارحوا الشريك بعدم رغبتهم في استمرار العلاقة ويطلبون الانفصال في مكانٍ عام عندما يكونون محاطين بالعديد من الأشخاص الغرباء، تتسم هذه الطريقة بالجبن ويستخدمها البعض لأنّهم يعلمون أنّ الشريك لن يود أن يُجادل أمام الناس ويحرج نفسه فيتجنبون بذلك المواجهة ويتهربون من ردّ الفعل للانفصال.
- الرفض في المناسبات المميزة: في العلاقات العاطفية هناك دوماً أيامٌ مميزة للشريكين مثل عيد الحب أو عيد ميلاد الشريك أو ذكرى التعارف الأول مثلاً والتي تكون عادةً مناسباتٍ سعيدة يُحتفل بها بشكل دائم، اختيار أحد هذه الأيام لرفض الشريك وإخباره بقرار الانفصال يُشكل جرحاً عميقاً للغاية ويتسبب له بالألم والأذى الشديدين في الوقت الذي كان يتوقع فيه قضاء يومٍ سعيد، يمكن القول أنّ اختيار أحد هذه الأيام لرفض الشريك هو بمثابة طعنةٍ في الظهر.
- الرفض عبر رسالة نصية: يعلم الجميع أنّ الرسائل النصية توصل الكلمات دون أن تحمل معها المشاعر المرافقة لها وهذه الخاصية تجعلها وسيلةً سيئةً لرفض الشريك، إضافةً لذلك استخدام هذه الطريقة تحمل إساءة للشريك وتُعتبر طريقةً قاسيةً لرفضه فهي وسيلةٌ رخيصة لتجنب المواجهة تُسبب الكثير من الألم للشريك.
- الرفض أمام العائلة والأصدقاء: القيام بهذا الأمر لا يكسر قلب الشريك وحسب بل يُحرجه أمام الأشخاص الذين يُحبهم ويحترمهم، لا يمكن إيجاد وصفٍ لهذه الطريقة أفضل من القول أنّها وسيلةٌ سيئة لعقاب الشريك وإذلاله وإصابته بصدمة طويلة الأمد، في المقابل استخدام هذه الوسيلة سيجعل من يقوم بها يبدو كشخصٍ لئيمٍ وسيء.
- الرفض على وسائل التواصل الاجتماعي: قد يكون رفض الشريك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أسوأ أشكال الرفض العاطفي على الإطلاق، هنا سيكون التأثير مدمراً فهو يؤدي لإحراج الشخص وإذلاله أمام كافة أفراد دائرته الاجتماعية، الصدمة هنا ستكون الأسوأ فجميع المعارف المقربون وغير المقربين شهدوا أسوأ لحظات حياته.
يمكن للرفض العاطفي أن يتسبب لصاحبه بالألم والحزن والكثير من المشاعر السلبية، ولكنّ هذا ليس كلّ شيء ففي بعض الأحيان قد تمتد أضرار الرفض العاطفي لتترك أثرها على النفسية وتتسبب ببعض الضرر والاضطرابات العاطفية. هذه الأضرار تزداد بشكل خاص عندما تتزامن مع ضغوطاتٍ خارجية ويمكن أن تتضمن: [3،4]
- يمكن أن تدخل في مرحلة القتال أو الهرب (الكر أو الفر): قد يجعلك الرفض العاطفي تعيش في حالةٍ غير مستقرة حيث يؤدي التغيير في الهرمونات إلى شعورك بحالةٍ من الشعور بالتهديد وما يرافقها من استجابات فيزيائية مثل تسارع ضربات القلب وفقدان الشهية مثلاً مع الشعور باليقظة المستمرة.
- تغيير كيمياء الدماغ: ترتبط المشاعر بإفراز الجسم لبعض المواد الكيميائية في الدماغ، وبعد الرفض العاطفي يتأثر توازن هذه المواد الكيميائية وينقص إفراز الناقلات العصبية المرتبطة بمشاعر السعادة والمتعة. يمكن لهذا النقص في النواقل العصبية إن يؤدي إلى دخولك في حالة شبيهة بالاكتئاب السريري كما يمكن أن تترافق مع حالات من القلق.
- الشعور بالخسارة: يظهر هذا الشعور بشكل خاص عند الرفض التالي لعلاقات طويلة الأمد حيث يجعلك تشعر بخسارة كافة الطاقات العاطفية والموارد المادية التي أنفقتها على محاولات إنجاح العلاقة.
- الشعور بضغط إضافي في الحياة: بعيداً عن الجانب الرومانسي من العلاقات فإنّها يمكن أن تُسهل عليك التعامل مع الضغوطات الثانوية والتفاصيل الصغيرة، التعرض للرفض في المقابل يمكن أن يكون له أثرٌ صعب فتشعر بأنّ قيامك بهذه التفاصيل أصبح أكثر صعوبةً وبالتالي تشعر بأنّ الحياة زادت من ضغطها عليك.
رغم إمكانية اختلاف الاستجابة للضرر العاطفي التالي للرفض تشمل الأعراض عادةً ما يلي:
- الشعور باليأس والعجز
- تقلبات في الوزن (اكتساب أو فقدان الوزن)
- فقدان الشهية
- اضطرابات في النوم
- الشعور بانعدام القيمة
- الشعور بالحزن والفراغ
- الشعور بالإرهاق وفقدان الطاقة
- الخمول
- التفكير في الموت أو الانتحار
من الشائع أن يُعاني الكثيرون من الشعور بالدونية أو انخفاض احترام الذات بعض الشيء عقب التعرض للرفض العاطفي ويعود ذلك بشكل أساسي في أنّ العلاقات العاطفية تعمل على تغيير تفكير الشخص عن مفهوم الذات، فخلال العلاقة يمتلك الشريكان أصدقاء مشتركين وأنشطة مشتركة بل وحتى مفاهيم متداخلة لمعنى الذات.
فقدان الشريك يؤدي بالتالي لفقدان جزءٍ من الذات والشعور بالخسارة ونتيجة لذلك يُصبح مفهوم الذات والأنا بعد الرفض العاطفي أقل وضوحاً ويؤدي ذلك إلى ميل الأفراد لتغيير ذواتهم مع الشعور بأنّ الذات أكثر غموضاً وأدنى. [5]
الحزن بعد الرفض العاطفي لا يجب أن يدوم للأبد ويجب عليك أن تقف على قدميك وتبني عالمك من جديد وتُساعد نفسك على التحسن والشفاء، هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تُساعد على تجاوز الرفض العاطفي ومنها: [6،7]
في الختام.. من المهم أن تتذكر أنّ الرفض هو جزءٌ طبيعي من دورة حياتنا وأنّنا جميعاً معرضون له في مرحلةٍ ما، شعورك بالحزن والألم بعده طبيعيٌ تماماً طالما تتذكر أنّ عليك الوقوف مجدداً بعد السقوط وطلب المساعدة في حال كان الأمر يفوق استطاعتك