-

علاقة الابن المراهق مع والده ودور الأب في تربية

(اخر تعديل 2024-09-09 11:09:39 )

أن يكون لديك ابن مراهق فهذا امر شبيه بالمشي على الجمر من باب الحذر الذي يجب توخيه، ولكن إن أردت الحقيقة فالأمر بوسعه أن يكون أسهل من ذلك، وبإمكانك أن تكون اباً مثالياً يقوم بدوره الكامل على الوجه الأمثل لرعاية ابنه المراهق وتوجيهه كما يجب، وإن سألت نفسك عن الأساليب والطرق فهي أبسط مما تتوقع ولكنها تحتاج تركيزاً منك ورغبة في بناء علاقة صحيحة. وهذا بالضبط ما سنعرضه ضمن المقال التالي.

يحتاج الشاب المراهق لوالده خلال مرحلة المراهقة أكثر من أي وقتٍ آخر، وعلى الرغم من الدور المهم الذي تلعبه الأم في حياة المراهق الذكر، لكن يظل الأب هو المثل الذي يحاول الابن تقليده والمشي على خطاه، ثم قد ينقلب عليه ويدخل معه في صراعات متعددة وطبيعية نتيجة رغبة المراهق بالاستقلالية والخروج من كنف والديه.

إذا كنت تدرك ضرورة بناء جسور التواصل مع أطفالك من البداية فذلك سيساعدك بشكلٍ لا يصدق عندما يصلون إلى مرحلة المراهقة، والخبر الجيد أنه يمكنك الآن أن تبدأ ببناء هذه الجسور لتضمن أن يمر ابنك المراهق بمراهقة هادئة وآمنة عليه.

وتذكر أن الهدف من إدارة مرحلة المراهقة ليس أن تكون أنت كأبٍ مرتاحاً من مشاكل ابنك المراهق! بل أن يستطيع ابنك المراهق استيعاب التغيرات التي يمر بها والانتقال إلى الرشد بطريقة آمنة وسلسة، ما يضمن له اتزاناً نفسياً واجتماعياً في المستقبل، وعلاقة مميزة مع والديه وأهله ومع أولاده أيضاً.

  • كن بجانبه: وجود الأب إلى جانب ابنه المراهق له إيجابية كبيرة ولاسيما في تخفيف بعض الأخطاء أو المشاكل السلوكية التي يعانيها الأبناء، ولا يعني هذا أن يكون الأب والابن بمكان واحد أو غرفة واحدة طوال الوقت فهذا مستحيل، إنما المطلوب أن يشعر المراهق أن والده يحيط به بتصرفاته واهتمامه ولا يغفل عنه ولا يتركه يواجه مشاكله وحده، المهم أن يشعر الابن أن والده موجود إن احتاجه.
  • كن مرناً: معنى ذلك أن تخرج بين الحين والآخر عن القواعد التي وضعتها لنفسك ولابنك، حتى تشعره بمساحة من الحرية وبقدر أخف من السلطة والرقابة الأبوية.
  • استخدم التفاوض: مهارات التفاوض جيدة، واستخدامها مع ابنك سيساعد على خلق جو من الصداقة بينكما والصراحة والإيجابية في التواصل.
  • تواصل معه لوقت كافٍ: يجب أن تمنح ابنك المراهق مزيداً من وقتك وتشعره أنك سعيد بقضاء الوقت معه حتى لا يكبر في غفلة منك ويكون أفكاره ومبادئه الخاصة وأنت غائب، لذا اغتنم أي فرصة ممكنة لمرافقته في أنشطته اليومية كأن توصله لدرس الرياضة أو الموسيقا أو الذهاب معاً في نزهة.
  • أظهر له الحب: المراهقون ليسوا كباراً على التصرفات التي تظهر الاهتمام والحب كالعناق والتقبيل بحنان والمداعبة اللطيفة وإن ادّعوا أمامك ذلك وقالوا إنهم ليسوا صغاراً، بالعكس فتلك التصرفات البسيطة تشعر ابنك المراهق كم أنت تكنّ له من الحب والاهتمام، وإن لم تكن التعابير الجسدية مرغوبة لدى ابنك يمكنك مثلاً سؤاله عما يحب أن تفعله لأجله.
  • شاركه هواياته: وإن كانت الفكرة السائدة عن المراهقين أنهم يميلون للاستسهال ولعب ألعاب الفيديو ويهتمون بوسائل التواصل الاجتماعي، إلا انه من الجيد تجربة هوايات أخرى يمكنك تشجيع ابنك المراهق على ممارستها وتخبره بأنك ستستمتع إن لعبتما معاً او إن تشاركتما ممارسة هواية معينة.
    حتى إن عانيت في البداية من إيجاد شيء يلقى إعجابكما واستحسانكما معاً لكن لا ضير من التجربة والبحث حتى الوصول لشيء مشترك تقومان به سوية لأن لذلك دوراً في بناء علاقتكما.
  • استشر ابنك: المراهق هو طفل كبير، وقد بدأ يحس بفرديته واستقلاليته، لذا لن يكون من الصائب أن تكون أنت القائد دائماً والبوصلة بيدك وأنت الناصح وهو المستمع، إنما من المفترض أن تتيح له الفرصة ليكون صاحب رأي يعبر عنه في قضايا مهمة.
    وسيكون جيداً جداً إن طلبت رأيه ومشورته في شأن يخصك وتشعره كم يهمك رأيه. وهذه طريقة هامة جداً وضرورية لبناء ثقة المراهق بنفسه، وتعزيز الثقة فيما بينكما.
  • عزز الإحساس بالمسؤولية لدى ابنك: ليس خاطئاً أن تقوي لدى ابنك نزعة الاستقلال الإيجابي وتحمله مسؤولية يقوم بها أمام ناظريك، وتثني بدورك على قدرته في هذا المجال، كأن يكون ابنك بارعاً في نشاط معين رياضي أو موسيقي أو غيره فتوكل إليه مهمة تدريب من هم أصغر سناً منه، أو تساعده على أن تكون تلك المسؤولية مأجورة ولو بأجر بسيط، عندها يشعر الشاب المراهق أنه يقوم بشيء ذي فائدة ويتقاضى مكسباً معيناً، ما يعزز لديه الشعور بالمسؤولية والاستقلال.
  • فجوة الجيل بين الأب والابن: قد تكون أكبر التحديات التي تواجه الأب في التعامل مع ابنه المراهق هي فجوة الجيل والفرق بين المعايير الاجتماعية والأخلاقية التي تربى عليها الأب وبين التي يتربى عليها الابن ويتعامل معه في محيطه الاجتماعي من أقرانه.
  • صراع الهيمنة: يكون هذا الصراع إيجابياً وعادياً بين الابن ووالده عندما لا يتعدى حدود لعبة معينة أو حوار ما أو منافسة بأمر بقصد التسلية وتعزيز التواصل فيما بينهما، ولكن يتحول موضوع الهيمنة إلى مشكلة عندما يتخطى كل ما ذكر ليصبح في إطار فرض نتيجة معينة أو رأي معين، ما يقضي على عنصر المتعة ويبقي على السمات الذكورية المتصارعة بين الأب وابنه المراهق.
  • السيطرة: السيطرة نتيجة للقوة أو لفرض القوة إما بنتيجة رهان او مسابقة أو منافسة، وهي إن كانت كذلك فتترافق بالضرورة مع مزيج من الشعور بالكفاءة عند الابن واحترام الذات والشعور بالإنجاز، ويجب أن تكون بعد ذلك بوابة لتقوية العلاقة بين الأب وابنه المراهق.
    لكن يجب ألا يشعر الأب ابنه بأنه هو من يدير دفة كل شيء أو يقرر متى ينتهي المزاح ويبدأ الجد كونه يملك زمام السيطرة بفعل سلطته الأبوية لأن ذلك يقود الابن إلى الشعور بعدم الأمان.
  • فرض المشورة: أخطر الخلافات بين الأب والابن المراهق تكمن في تقديم المشورة عندما يطرح الأب تجاربه ومسيرة حياته وجدول مبادئه وقناعاته على أنها الأكثر صحة والتي لا تقبل النقاش ولا التشكيك فيها، مع الذم بأفكار الابن واعتبارها قاصرة أو نابعة من نظرة قاصرة غير ناضجة، لأن التعامل بهذه الطريقة يجعل المراهق يقف موقفاً دفاعياً عن أفكاره دون التفكير أو النظر حتى إلى ما طرحه والده، من باب التشبث الأعمى كرد فعل على حالة الفرض التي قام بها الأب، وهذا قد ينجم عنه في أحيان كثيرة فشل الابن أو عدم نجاحه في أمور عدة دراسياً واجتماعياً.
  • إلقاء اللوم على الأب: هذه المشكلة تكون من جانب الابن المراهق الذي لا يترك فرصة إلا ويعمد فيها إلى لوم والده على شيء ما دفعه للوصول إلى حال معين لا يحبه ولا يرغب فيه، وإن كان يفكر بقرارة نفسه أن الذنب لا يقع على والده، لكنه لا ينفك يحمله مسؤولية كل شيء غير ناجح قد تمر به العائلة أو الشاب نفسه، وقد تكون الملامة صحيحة في بعض الأمور وخاطئة في سواها، وهنا دور الأب إن علم بلوم ابنه له أن بقدم له اعتذاراً عما يراه خاطئاً بالفعل، والطلب من ابنه أن يسعى لتحسين النهج الذي يراه خاطئاً، مستعينا بخبرة الشاب المراهق من خلال طلب مشورته ومساعدته واستخدام مهاراته.
  • التوقعات المرتفعة: واحدة من أكبر الأزمات والصراعات بين الأب وابنه المراهق تتعلق بتوقعات الأب المرتفعة والتي قد لا يستطيع المراهق مجاراتها أو لا يريد، حيث يبني الأب تصوّراً معيناً لما يريد أن يكون عليه أبناؤه ليس فقط من أجلهم ولكن أيضاً من أجل مظهر الأسرة اجتماعياً، وعندما يبدأ الابن المراهق بمحاولة اختيار طريقه في الحياة قد ينشأ صراع كبير حول الصورة التي رسمها الأب والصورة التي يحاول المراهق رسمه لنفسه.
  • يحتاج منك أن تحب والدته: لا تستغرب ذلك، فعندما يرى ابنك المراهق كم تحب وتحترم والدته فإنه يتعلم منك كيف يتعامل مع والدته وأخواته وجميع النساء اللواتي سيقابلهن في حياته وسيكون ذلك أساساً للعلاقات التي سيبنيها لاحقاً في حياته، حتى إن كنت انت ووالدته بحالة انفصال فمن الضروري أن تبين احترامك لها في كل الأحوال.
  • يحتاج لسماع اعترافك بالفشل وكيف تنجح: رؤية ابنك لك وأنت تفشل وتتعامل مع فشلك وتستفيد منه سيكون درساً له حتى لا يستسلم في المستقبل لأي حالة سلبية قد يمر بها، حتى يعلم أن الحياة ليست خطاً مستقيماً بل تحتوي على منعطفات ومطبات لا بد سيمر بها الإنسان، وليس الخطأ في الفشل وإنما في عدم تجاوزه وعدم القدرة على التعامل معه كما يجب وتحويله إلى فرصة للتعلم، واجعل ولدك يعلم أن أفضل معلم هو الفشل، وأن ارتكاب الأخطاء أمر طبيعي ومن يستطيع التعامل مع هذه الحالات فهو قادر على قهر أكبر التحديات.
  • يحتاج أن يراك قائداً: يحتاج ابنك إلى رؤيتك كيف تتخذ القرارات المصيرية الحاسمة في المنزل حتى يتعلم منك، كن صديقه ولكن كن ربّ بيت ممتازاً، وكن قائداً في منزلك ومسؤولاً عن نجاح أسرتك وفشلها، وتابع كل الخطوات المهمة لدى أفراد عائلتك، بالإضافة لإحاطتك بظروف عملك وريادتك فيه، فإن هذا كله سيكون بمثابة درس مركز لابنك المراهق حول كيفية امتلاك مهارات القيادة وحسن التصرف في الظروف كافة حتى يشعر أن التقدم بالسن والشباب مسؤولية كبيرة يجب القيام بها بشكل جيد.
  • يريدك أن تكون حاضراً: كونك أب فهذا يجعلك محط تحمل مسؤوليات كثيرة ومختلفة وعلى أكثر من اتجاه، لكن مع كل ذلك يريد ابنك المراهق منك أن تكون موجوداً بكامل وعيك في حياته العلمية والاجتماعية وفي أوقات حزنه وفرحه وانشغاله وفراغه لأن وجودك سيمنحه الدعم وسيشعره كم هو مهم بالنسبة إليك وأنه أولوية على الرغم من مسؤولياتك الكثيرة التي تتحملها.
  • يحتاج حبك بغض النظر عن اختياراته: سيختار ابنك المراهق أموراً قد لا تتفق مع نظرتك وآرائك تماماً، وقد يتخذ خيارات مختلفة عن خياراتك التي اتبعتها حين كنت في مثل سنه، لكن على الرغم من ذلك هو يحتاج منك أن تحيطه بالحب والدعم الذي يرافق خطواته وإن كنت تظن أنه على خطأ، فحبك يزيد ثقته بنفسه، ويقوي العلاقة فيما بينكما.
  • يحتاج تأكيداتك الإيجابية نحوه: لا تستهن بعبارات مثل: "أنا أحبك يا بني، أنا فخور بك يا بني، أنت رائع يا بني، أعلم أنه يمكنك فعل ذلك، كنت مجتهداً، أبليت حسناً، لقد أخطأت نعم لكنني أعلم أنك ستعود مرة أخرى أقوى من قبل وستتجاوز ذلك في المرات القادمة" فابنك يحتاج إلى تشجيعك كما يحتاج إلى سماع الكلمات التي تجعله يعرف أنك تحب كونه ابنك وكونك والده.
  • يحتاج منك أن تؤدبه بحب: أنت أب لذا فواجبك أن تتخذ واجبك الأخلاقي تجاه ابنك وأن تعلمه وتؤدبه اجتماعياً وأخلاقياً، ولكن افعل كل ذلك بمحبة ودون ضغط أو قمع، واعلم أنك ستلقنه قواعد معينة وسيؤديها ويخطئ في بعضها، لذا كن رفيقاً به وإن قام بشيء ما له عواقب فأخبره بالعواقب واجعله يشعر بالمسؤولية تجاه أفعاله ويبحث عن الحلول، وساعده في ذلك. فهذا سيجعله يفكر في كل تصرف مرات عدة قبل ان يقوم به مستقبلاً.
  • ختاماً.. الأبوة من أعظم الأدوار التي يقوم بها إنسان، وهي تنطوي على مزيج من الحزم والحب والرفق واللين والشدة، وهذا كله يكون مضاعفاً عند التعامل مع ابن مراهق، وعلى الرغم من صعوبة هذا التعامل والحذر الذي يحيط به إلا أن الأمر قد يبدو أكثر بساطة عن قرب عندما تقرر فعلاً أن تكون صديق ابنك المراهق ووالده في آن معاً، لأنه لا أحد سيحبه مثلك، ولا أحد سيخبره بالحقيقة عن نفسه مثلك، وتذكر جيداً أنك كنت في يوم من الأيام مراهقاً مثله.

    المصادر و المراجعaddremove

  • مقال "الآباء والمراهقون: تغيير العلاقات والصلات الجديدة" منشور على موقع raisingchildren.net.au، تمت المراجعة في 3/6/2022.
  • مقال Carl E Pickhardt "التحدي المتمثل في إنجاب ابن مراهق" منشور على موقع psychologytoday.com/us، تمت المراجعة في 3/6/2022.
  • مقال "7 أشياء يحتاجها الابن من أبيه" منشور على موقع allprodad.com، تمت المراجعة في 3/6/2022.
  • أحدث أسئلة مشاكل المراهقين