أركان الإحسان وأنواعه وجزاء الإحسان في
للإحسان في الإسلام مكانة كبيرة حيث تم التأكيد على قيمة الإحسان وجزاء المحسنين في الكثير من آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة، ويعتبر الإحسان أحد القواعد التي يقيم عليها الإسلام تشريعاته ونظمه جميعها، ولا يقتصر الإحسان على مساعدة الفقراء والمحتاجين، بل يتعدى ذلك إلى صور وأشكال مختلفة.
إن مراتب الدين الإسلامي ثلاث: الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان وهو أعلى المراتب، فما معنى الإحسان؟
الإحسان في اللغة هو مصدر مشتق من الفعل أحْسَنَ أي قام بفعل حسن وهو عكس الإساءة، والإحسان هو إتقان العمل وإخلاصه وإجادته، والإحسان اصطلاحاً في العبادة وهو القيام بحقوق الله، أو الإحسان للخلق وهو القيام بأي نوع من أنواع المنافع لأي مخلوق سواء من البشر أو الحيوانات.
فالإحسان في العبادة هو استحضار الله ولو لم يكن يراه بعينه وهذا غاية اليقين، فالمحسن من أخلص لله بتوحيده وانقاد لطاعته وألزم نفسه فوق ما ألزمه الله من جنس ما ألزمه الله، فيخشى صلاته في سره ويكثر من التعبد لله، وقال رسول الله عندما سأله جبريل عن الإحسان "الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك" عن أبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما. [1-2]
أما إحسان للخلق فهو بذل النفع الديني والدنيوي لهم وإتقان أي عمل يقوم به الإنسان خالصاً لله وطالباً رضاه، ويشمل الإحسان إلى كافة المخلوقات من إنسان وحيوان كما يشمل أي عمل أو مهنة.
أركان الإحسان هي ركنٌ واحدٌ فقط وهو عبادة الله كأن المؤمن يراه وإن لم يره فإن الله يرى عباده، ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك" عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه البخاري في الصحيح، وهذا الحديث الذي حدد فيه النبي صلى الله عليه وسلّم أركان الإيمان وأركان الإسلام وأركان الإحسان في إجابته على جبريل عليه السلام.
وشرح ركن الإحسان أن يضع المؤمن مقام الله عزّ وجلّ نصب عينيه في كل أعماله كأنه يراه ببصيرته وعين قلبه، فيجعله ذلك يصل إلى أسمى درجات الخشوع والتقوى في العبادة والعمل، فإن عجز عن ذلك فإن الله يرى عبده ويرى ما يصنع، ويقين المؤمن بذلك يجعله محسناً، لأنه يراعي مخافة الله في كل قول وفعل وعبادة.
- الدرجة الأولى في الإحسان: وهي عبادة الله كأنك تراه، فيستحضر العبد قرب ربه ويرى أنه بين يديه مما يشعره بالهيبة والتعظيم والخشوع، وتكون هذه الدرجة من خلال بذل الجهد في تحسين العبادة واكمالها فتكون عبادته عبادة شوق وطلب ورغبة وطمع في التقرب من الله ويجد العبد نفسه مقبل عليها بحب وشوق لملقاة الله كأنه يراه، وهي المرتبة الأعلى في الإحسان.
- الدرجة الثانية في الإحسان: وهي عبادة الله كأنه يراك، فإذا لم يستطع المسلم عبادة الله كأنه يراه فينزل إلى المرتبة الثانية وهي أن يعبد الله كأنه يراك وهي عبادة رهبة وخوف من غضب الله.
وكلا المرتبتين من المراتب العظيمة التي يصل إليها المسلم، لكن الدرجة الأولى وهي عبادة الطلب والشوق أكمل وأفضل من عبادة الرهبة والخوف.
أنواع الإحسان غير محددة فكل إتقان لعمل صالح أو واجب والتزيد به وتزينه والإخلاص له يعتبر إحساناً، ويمكن تقسيم أنواع الإحسان على الشكل التالي:
- الإحسان مع الله: يشمل الإحسان مع الله توحيده والاستسلام له واستشعار قربه ومراقبته وطاعته وشكره واجتناب المعاصي وذكره، والإخلاص له جلّ جلاله في العبادة والخشوع والخضوع والأعمال، كأن المؤمن يراه عزّ وجل، والله يرى عبده ويعلم ما أسرَّ وما علم.
- الإحسان للوالدين: يكون الإحسان إلى الوالدين بجميع أوجه الإحسان من قول أو فعل وواجب البر والامتناع عن الإساءة لهما، والإكثار من الدعاء لهما، وقد أوصانا الله تعالى بالإحسان للوالدين في قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) سورة العنكبوت آية 8، كما جعل الله برّ الوالدين والإحسان لهما في درجة عالية بعد التوحيد، قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء 23.
- :الإحسان للزوجة: يشمل الإحسان للزوجة معاشرتها بالمعروف، فالله أوصانا بالمودة والاهتمام والرحمة في العلاقة الزوجية، كذلك يكون الإحسان للزوجة عند الطلاق فقد قال تعالى (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) سورة البقرة آية 229.
- الإحسان لذوي القربة: أمر الله تعالى بالإحسان إلى ذوي القربة مهما كانت درجتهم في قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ) سورة النساء، آية 36، فالإحسان إلى ذي القربة يكون من خلال تجنب قطع الرحم والتصدق على الفقير منهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحكم والصبر على أذاهم.
- الإحسان للفقراء والمساكين واليتامى: ويكون الإحسان للفقراء والمساكين واليتامى من خلال الحرص على الزكاة والمساهمة في المؤسسات الخيرية ومشاريع البر التي تعود بالنفع عليهم، والتعامل معهم بلطف والحنو عليهم.
- الإحسان إلى الجار: للجار مكانة مهمة في الدين الإسلامي والإحسان إلى الجار يشمل حسن معاملته والصبر على أذاه وإعانته في الشدائد وإكرامه.
- الإحسان إلى النفس: الإحسان إلى النفس يشمل إبعادها عن الأهواء والنزوات والغرور والحسد وعن الوقوع في الحرام وإبعادها عن التشتت والضلال.
- الإحسان للحيوانات: من صور الإحسان للحيوان إطعامه وإشرابه والرحمة به عند ذبحه وهذا ما أمر به رسول الله حين قال "فإذا قتَلْتُم فأَحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحْتُم فأَحسِنوا الذَّبحَ". [3-5]
وردت الكثير من الآيات في القرآن الكريم والكثير من الأحاديث في السنة النبوية تحث على الإحسان في العبادة والإحسان للخلق ومنها:
- (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ) سورة النحل آية 90. وفي هذه الآية يبيّن لنا الله تعالى أن الفواحش والمنكرات تفسد الإحسان.
- (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) سورة البقرة آية 83.
- (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ) سورة القصص آية 77. فالإحسان شكلٌ من أشكال الحمد والشكر لله عزَّ وجلَّ على النعمة، والمحسن من يضع نصب عينيه إحسان الله إليه.
- (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة، آية 195.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريلاً عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلّم، وممّا سأله أنه قال: "ما الإحْسَانُ؟ قالَ صلى الله عليه وسلّم: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ" أخرجه البخاري في الصحيح، وهو حديث أركان الإسلام والإيمان والإحسان.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنّ اللهَ عزَّ وجل كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شَيءٍ، فإذا قتَلْتُم فأَحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحْتُم فأَحسِنوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرتَه، ثمَّ لْيُرِحْ ذَبيحتَه" عن شداد بن أوس، أخرجه مسلم.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا حكمْتُمْ فاعدلوا، وإذا قتلتُم فأحسنوا القِتْلةَ، فإنَّ اللهَ محسنٌ يحبُ المحسنينَ" وهو حديث صعفه السيوطي في الجامع الصغير.
- الإحسان هو جزاء الإحسان: أسمى جزاء للعبد المحسن هو إحسان الله تعالى إيه وقد كان جلّ جلاله أول المحسنين لعباده، ومن إحسان الله تعالى لعباده المحسنين ما وعدهم به من جنة النعيم (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ثم قال تعالى بعد وصف الجنّة ونعيمها وما فيها من جزاء ومكافئة للمحسنين الذين خافوا مقامه السامي: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) سورة الرحمن آية 60.
- محبة الله: إن أهم جزاء في الإحسان هو حب الله للشخص المحسن فقال جل جلاله (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة المائدة آية 93.
- الثواب والأجر: إن الله عز وجل وعد المحسنين بالثواب على أعمالهم وصبرهم وعدم ضياع الأجر فقال تعالى (وَاصبِر فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ) سورة هود آية 115.
- التقرب من الله: كلما كان المسلم أكثر إحساناً زاد قربه إلى رحمة ربه وكان الله أقرب منه إليه برحمته فقد قال تعالى (وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها وَادعوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَتة اللَّـهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ) سورة الأعراف آية 56.
- الرزق بالعلم والحكمة: إن الله ينعم على المحسنين بالحكمة والعلم النافع جزاء على إحسانهم وهذا ما وعد به الله بقوله (وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيناهُ حُكمًا وَعِلمًا وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ) سورة يوسف آية 22.
- الرزق بالذرية الصالحة: من جزاء المحسنين أن وهب الله لهم الذرية الصالحة والنسل الحسن والدليل قوله تعالى (وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ) سورة الأنعام آية 84.
- الفوز بالجنة: جازى الله من أحسن في عبادته بجنات فيها كل ما يشتهي المؤمن وذلك في قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) سورة المرسلات آية 41-44.