تأثير العقوبات الجسدية والنفسية على الأطفال
يلجأ الكثير من الآباء للعقوبات الجسدية أو النفسية مع أطفالهم، فمنهم من يعتمد هذا كأسلوب للتربية والتأديب، ومنهم من قد يلجأ لهذا الأسلوب لمرات محدودة أو لمرة واحدة. فما تأثير العقوبات الجسدية والنفسية على الأطفال؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
تتعددى العقوبات الجسدية التي يستخدمها الآباء مع أطفالهم لتشمل الضرب والدفش والجلد وأحياناً الحرق وغير ذلك من طرق تؤلم الطفل جسدياً، ولكن الألم الجسدي ليس هو الأثر الضار الوحيد للعقوبات الجسدية للأطفال، فهي تشمل: [1]
حتى على الأمد الطويل تنعكس العقوبات الجسدية والنفسية على صحة الأطفال، حيث أفادت دراسة حديثة في جامعة بوردو أن البالغين الذين كانوا ضحايا للاعتداء العاطفي أو الجسدي كأطفال لديهم مخاطر أكبر للإصابة بالسرطان.
لا تقتصر التأثيرات السلبية لعقوبات الأطفال على الضرب والأذية الجسدية فقط، فقد يكون للإهانة أو التهديد أو الصراخ أو التخويف أو التنمر تأثيرً مضاعفاً أحياناً. سنفسر فيما يلي تأثير هذه العقوبات النفسية على الأطفال: [2،3،4]
كما أن للعقوبات الجسدية والنفسية تأثير كبير على الطفل، فإن لها تأثير كبير جداً على الآباء الذين يطبقونها مثل:
- التسامح مع العقوبات البدنية والنفسية: فقد يستسهل الآباء هذه العقوبات وخصوصاً إن كانوا قد جربوا غيرها ولم تجدِ نفعاً مع الطفل، فتراهم يلجؤون لها فوراً، وقد يتمادون بها في كل مرة.
- الشعور بالذنب: ففي كثير من الأحياناً عندما يضرب الآباء أطفالهم أو يهينوهم يشعرون هم أنفسهم بالذنب ويندمون على ما فعلوا وخاصة عندما يرون التأثيرات السلبية لهذا بأعينهم وعندما يكرههم أطفالهم ويخافون منهم.
- خلق مشكلات لم تكن موجودة عند الطفل: كالمشكلات السلوكية بأن يصبح الطفل عنيداً أو أن يتراجع أداءه في المدرسة أو أن يعاني من ضعف الشخصية أو قد يصبح طفلاً متنمراً أو ضحية للتنمر كما قد يصاب بالتأتاأة أثناء الكلام وغيرهم من المشكلات.
- خسارة الروابط العاطفية: ضعف الروابط بين الأهل وابنهم من الآثار طويلة الأمد للعقوبات البدنية والتي قد لا يلاحظها الأهل بسهولة في البداية، لكن مع تقدم الطفل في العمر وتطور نموه النفسي وشعوره بالاستقلالية، سيجد صعوبة بالحفاظ على الروابط العاطفية معه أبويه.
لا شيء يضاهي حب الآباء لأبنائهم ورغبتهم أن يكونوا الأفضل والأسعد في العالم، ولكن هذا الحب لا يمنعهم عن ضربهم وإيذائهم جسدياً أو نفسياً أو عاطفيا. فلماذا يضرب الآباء أبناءهم؟
- لأن هذا ما تربوا عليه: فقد يقلد الآباء آباءهم في أسلوب التربية الذي كان يطبق عليهم عندما كانوا أطفالاً بإرادتهم، وقد يقلدون هذا رغماً عنهم لتخزينه في اللاوعي عندهم حتى لو كانوا ضد هذا النوع من العقاب أو التربية.
- المعتقدات التربوية الخاطئة: معظم الأهل الذين يلجؤون للعقوبات الجسدية يؤمنون أن الطفل الذي لا يتعرض للضرب سيكون طفلاً مدللاً، وهذا غير صحيح؛ فهناك طرق عدة لعقاب وتأديب الطفل والتي لا تسبب له الأضرار مثل هذه الطريقة.
- لأنهم يعتقدون أنها الطريقة الأفضل في التربية: فقد يكونوا قد جربوا غيرها الكثير من الطرق التي لم تجدِ نفعاً، أو قد يكونوا قد اختاروا هذه الطريقة منذ البداية لأنهم لاحظوا أنها قد أجدت نفعاً مع الطفل.
- لأنهم يجدون في الإساءة للطفل تنفسياً عن توترهم وإرهاقهم: فعندما يعود الوالدان إلى المنزل منهكين ومستهلكين فإنهم يرتاحون عندما يضربون أطفالهم، مما يجعلهم يستمرون في الضرب أو الإساءة اللفظية أو النفسية أو العاطفية أكثر كأسلوب للتنفيس عما في داخلهم.
- لأنهم يعانون من اضطرابات نفسية: من أكثر الآباء استخداماً للعقوبات القاسية هم الآباء الذين يعانون من الإرهاق والتوتر المزمن بسبب العمل أو صعوبة ظروف الحياة أو المشكلات المالية أو الأسرية أو الذين يعانون من اضطرابات في الشخصية كالشخصية النرجسية وفقدان السيطرة على الغضب.
قد يعتقد البعض أنه دون العقوبات الجسدية والنفسية المؤذية للطفل فإنه لن يتأدب ولن يتوقف عن السلوكيات غير المرغوبة، إلا أن هذا ليس صحيحاً؛ فهناك العديد من الأساليب التي يمكن للآباء بها معاقبة أطفالهم دون التسبب بإيذائهم جسدياً أو نفسياً، مثل:
- ارفض سلوك الطفل: أخبر طفلك أنك ترفض سلوكه وأنك غير راضٍ عنه بوضوح مع ذكر أسبابك، سوف يتفهم الطفل ذلك ويتم تعديل سلوكه في كثير من الأحيان. مع التركيز دائماً على رفض السلوك والتعليق على هذا السلوك وليس على شخص الطفل؛ كأن تقول له أنك ترفض تراجعه الدراسي ولا تحب هذا التراجع، وليس لا تحبه هو شخصياً لأنه قد تراجع.
- الحوار: عندما يحدث خطأ ما فإن الاستجابة الأولى والأفضل للجميع هي الجلوس والتحدث عن ذلك الخطأ وعواقبه؛ فالطفل يحتاج لفهم الموضوع من كل زواياه. وفي كثير من الأحيان يكون التواصل والحوار المفتوح هو كل ما هو مطلوب لتغيير السلوك أو للتأكد من عدم تكراره.
- التجاهل: ففي كثير من الأحيان يكون تجاهلك للسلوك سبباً في إطفائه، وخاصة إن كان الهدف منه لفت نظرك أو معاندتك. تجاهل السلوك وأكمل النشاط الذي تفعله مع عدم إبداء أي ردة فعل مع الانتباه لحركات الجسد التي قد يلاحظها الطفل، لكن عليك عدم تجاهل السلوكيات المؤذية طبعاً.
- الفصل والاستبدال: فإن تشاجر أطفالك على لعبة معينة فخذها منهم وأعطهم بدلاً منها لعبة أخرى أقل متعة منها، واشرح لهم سبب ما فعلت، أو خذها ولا تعطهم بدلاً منها شيئاً.
- التحذير: فحذر الطفل أولاً واذكر له أحياناً نوع العقوبة التي ستتخذها إن كرر سلوكه، فقل له مثلاً أنك ستأخذ منه اللعبة إن تشاجر عليها مع أخيه.
- الوقت المستقطع: فإن صدر عن طفلك سلوكاً غير مرغوب فخذه واجعله يجلس وحيداً على كرسي بعيداً عن أي مصدر للتسلية لينفرد بنفسه ويفكر بسلوكه لفترة محددة من الزمن تحدد حسب عمر الطفل، ولا تكلمي الطفل في هذا الوقت أبداً واطلبي منه عدم التكلم معك أو مع أحد، ولو تكلم تجاهله تماماً حتى يعتذر منك في النهاية ويعدك بعدم تكرار السلوك. لكن انتبهي أن تختاري مكاناً قريباً منك وتحت عينيك حتى تعيده كلما خرج من الغرفة.
كما ننصح الآباء بالتوسع في موضوع التربية الحديثة وتعديل سلوك الطفل، كما ننصحهم بإيجاد وسائل للتخلص من التوتر، والتوجه للأخصائي الأسري عند مواجهة أي مشكلة.
قد تكون حجة الذين يمارسون العقوبات الجسدية والنفسية مع الأطفال أن استخدامها باعتدال ليس له آثار سلبية، ولكن ليس هناك دليلاً قاطعاً على كلامهم، لذلك فمن الأفضل الابتعاد عن هذه الطريقة في العقاب قطعياً.