مفهوم المرونة النفسية وأفضل طرق إعادة بناء
الناس جميعاً تعترضهم مواقف متفاوتة في درجة الصعوبة، ويمرون باختبارات كثيرة في حياتهم قد تكون منعطفاً في طريقة تفكيرهم، ومنهم من يندم بعد موقف معين لتصرف أرعن بدر منهم قائم على الانفعال وبعيد عن ضبط النفس والتصرفات، هذا كله متعلق بأمر غاية في الأهمية وهو المرونة النفسية، التي يتطلع الجميع للوصول إليها وامتلاك مفاتيح القوة. وهذا ما سنورده مفصلاً في المقال التالي.
يعرّف علماء النفس المرونة النفسية Psychological Resilience بأنها إدراك تام للعواطف والمشاعر والأحاسيس بما فيها المشاعر السلبية أو غير المرغوب بها، والقدرة على التكيّف مع الشدائد أو الصدمات أو التهديدات أو أي مصدر للتوتر بما في ذلك المشاكل الأسرية أو المشكلات الصحية الخطيرة أو ضغوطات العمل والضغوط المالية، وعلى هذا الأساس حدد عالما النفس "كاشدان" و"روتربرج" المرونة النفسية كمقياس لطريقة تكيف الشخص مع المتطلبات الظرفية المتقلبة.
المرونة النفسية تمكّن الفرد من تطوير عميق للشعور بالذات؛ وذلك بعد التصرف مع تلك الأزمات على أساس قيم وأهداف وقناعات طويلة المدى والتأثير بدلاً من الانفعال والتصرف على أساس المشاعر المتولدة خلال الأزمة وردود الفعل، والتي تكون قصيرة المدى مرتبطة بحدث معين غالباً ما تزول بزواله، كون الأفكار والعواطف مؤشرات غير موثوقة للقيمة بعيدة المدى لأي حدث أو أزمة. [1،2]
لتكون شخصاً قادراً على التكيف مع المطبات في الحياة ولديك مرونة نفسية بدرجة مقبولة يمكنك القيام بما يلي: [2]
عزز تواصلك مع الآخرين:
- يمكن أن تكون العلاقات مع الأشخاص الإيجابيين والتواصل معهم عاملاً مقوياً في بناء المرونة النفسية لأن التواصل معهم يجعلك تشعر بأنك لست وحيداً في مواجهة الأزمات، وهنا يجب الاعتماد على أشخاص جديرين بالثقة ويقدرون مشاعرك ويعطونك النصيحة الصادقة.
- بعض الأحداث الصادمة قد تسبب ألماً يؤدي للانعزال ولإهمال بعض الأشخاص لأنفسهم والابتعاد عن محيطهم، في وقتٍ يجب أن يتذكروا أهمية قبول المساعدة والدعم ممن يهتمون بك.
- يمكن الانضمام لمجموعة من الأشخاص الإيجابيين الذين قد تشترك معهم بأمور معينة، أو حتى إن كانوا يختلفون عنك ببعض الأشياء اختلافاً يحفز الفضول ويعزز المهارات الجديدة، فهذا كله من شأنه أن يتيح لك جانباً من الدعم الاجتماعي الذي تحتاجه وبالتالي استعادة الأمل والشعور بالسعادة والرضا.
حافظ على صحتك الجسمانية:
- اهتم بجسمك لأنه هو الذي يحملك ويقوم بالوظائف التي تحتاجها لتكمل حياتك قوياً.. نفسياً وجسدياً، والاهتمام يتضمن الصحة العقلية لأن التوتر جسدي بقدر ما هو عاطفي، لذا فإن اتباع نمط حياة إيجابي يتضمن التغذية السليمة، والنوم الوفير، وشرب المياه بما يكفي، والتمارين الرياضية المنتظمة.. يمكن أن يقوي جسمك للتكيف مع التوتر ويقلل من عبء المشاعر السلبية مثل القلق أو الاكتئاب.
- مارس تمارين التأمل واليقظة النفسية مثل اليوغا والممارسات الروحية الأخرى كالصلاة ما يساعدك على استعادة الإيجابية في المشاعر والأفكار ويهيئ بالنتيجة للتعامل مع المواقف التي تتطلب المرونة النفسية.. ومن الجيد أن تتأمل في الجوانب الإيجابية من حياتك وتتذكر الأشياء التي تُشعرك بالامتنان.
- ابتعد عن الأدوات السلبية للتنفيس عن ألمك وقلقك والمقصود بتلك الأدوات الكحول والتدخين أو المخدرات أو مواد أخرى تقود للإدمان السلبي، وبدلاً عن ذلك ركز واعمل على التحكم يتوترك وإدارته وتحويله لموجه إيجابي لمشاعرك وتصرفاتك لا العكس.
حدد أهدافك بعيدة المدى:
- اعمل على مساعدة الناس إن كانوا غرباء بحاجة للمساعدة كالمسنين أو المشردين أو الفقراء أو كانوا أصدقاء بحاجة إليك فهذا يشعرك بأنك تحقق هدفاً ما ويعمل على تعزيز تقديرك لذاتك ويحفز تواصلك مع الآخرين ومع ذاتك الداخلية فتشعر بالرضا وتضع أساساً للمرونة النفسية لديك.
- بادر بالإفصاح عن مشاعرك والتعبير عنها وقبل ذلك عليك قبولها وتبنيها مهما كان الظرف صعباً، وعند اعترافك بوجود مشكلة تعترضك سواء من الداخل أو الخارج، اعمل على معالجتها من خلال تجزئتها إلى أولويات ووضع خطة للحلّ تنسجم مع أهدافك وشخصيتك وبعيداً عن الانفعال.
- عند تحديد أهدافك اعمل على إنجاز شيء على الأرض حيالها وتحرك بدقة نحو الأمور القابلة للتحقيق ولو كان إنجازك فيها صغيراً بدلاً من التركيز وصرف الجهد على الأهداف صعبة التحقيق بالنسبة إليك أو التي تحتاج وقتاً أكبر، ولعمل ذلك اسأل نفسك: "ما هو الشيء الوحيد الذي أعرف أنه يمكنني تحقيقه اليوم والذي يساعدني على التحرك في الاتجاه الذي أريد أن أسلكه؟" فمثلاً إن كنت تعاني من الحزن الشديد لفقدانك شخصاً عزيزاً اعمل على الانخراط في مجموعة من الأشخاص أو الأصدقاء الإيجابيين بحيث تنتقل إلى جو جديد يحسن نفسيتك.
عزز الأفكار الإيجابية والصحية:
- أي اجعل مسار تفكيرك إيجابياً لأن ذلك سيؤثر على طريقة تعاملك مع الأحداث في حياتك، كما أن طريقة تفكيرك يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الشعور الذي يتولد لديك تجاه موضوع ما، وكذلك في مدى مرونتك عند مواجهة العقبات، لذا كن أكثر توازناً وواقعية
فمثلاً: إذا شعرت بالإرهاق بسبب ضغط العمل أو الدراسة ذكر نفسك أن ما يحدث لك ليس مؤشراً نهائياً أو حكماً قاضياً على مستقبلك، لكن بالمقابل ركز على فكرة أنك غير عاجز عن أداء هذه المهمة. - تقبل أن التغيير جزء من الحياة، ولا شيء ثابت على الإطلاق فقد تقف غير قادر على تحقيق أهداف أو مُثُل معينة نتيجة بعض المواقف المعاكسة في حياتك، وهنا يكون الحل بأن تحاول قبول الظروف التي لا يمكن تغييرها ثم التركيز على الظروف التي يمكنك تغييرها.
- حافظ على نظرة متفائلة داخلك، مع عدم إغفال الواقع من حولك لأن تلك النظرة تساعدك في أن تأمل حدوث أشياء جيدة لك في الوقت الذي تكون فيه الظروف معاكسة لك، فكر في الأشياء التي تريدها أن تحدث بدلاً من القلق من عدم حدوثها أو من أن يحصل ما لا تريده، أشعر نفسك بأن هناك شيء جيد ينتظرك في النهاية فهذا يسهل عليك تجاوز المواقف الصعبة.
- اجعل ماضيك مدرستك وتعلّم منه ومن مواقفه وأحداثه التي مررت بها من شدائد وضغوط وراجع كيف كنت تستجيب لتلك الضغوط وتذكر كيف مرت وعادت الأمور لطبيعتها وأصبحت لديك خبرة جديدة علمتك الاستجابة بشكل أفضل مرة بعد أخرى.
اطلب المساعدة المتخصصة:
اعلم أن الحصول على المساعدة عندما تحتاج إليها أمر بالغ الأهمية في بناء قدرتك على الصمود والمرونة النفسية لاحقاً فقد يتعثر الإنسان أثناء طريقه لتجاوز بعض المصاعب.في بعض الأحيان يمكنك اللجوء لطلب المساعدة النفسية من متخصص أو معالج نفسي يساعدك في تطوير استراتيجية مناسبة لتجاوز مواقفك الصعبة والاستمرار في حياتك إن شعرت أنك غير قادر على مساعدة نفسك بنفسك، وبالأساس فإن البعض يرتاحون لدى البوح لآخرين لا تربطهم بهم علاقة صداقة أو قرابة.
للمرونة النفسية درجات متفاوتة تتضمن قدرة الشخص على التعامل مع التوتر وهناك خصائص محددة يتميز بها الأشخاص المرنون نفسياً، من أبرز خصائص وفوائد المرونة النفسية في آنٍ معاً:
- الوعي العاطفي: الأشخاص ذوو الوعي العاطفي المتقد والحي يعرفون ما يشعرون به وسبب تولّد هذا الشعور لديهم، وبالتالي لديهم القدرة على تفهم مشاعر الآخرين بشكل أفضل لأنهم يعملون على وضع أنفسهم مكان أولئك الآخرين، وهذا النوع من الفهم العاطفي للناس يساعد على الاستجابة بشكل مناسب للآخرين وما يصدر عنهم من أقوال أو تصرفات وبالتالي التعامل بشكل أفضل مع المشاعر الصعبة التي تنتج أثناء المواقف المختلفة كالغضب أو الخوف.
- العزيمة والإصرار: الأشخاص المرنون لا يشعرون بالعجز أو اليأس عندما يواجهون تحدياً ما سواء كان يهدف لتحقيق أهداف خارجية أو يعمل لترسيخ استراتيجيات تأقلم داخلية لدى الشخص وهذا ما يجعلهم أكثر قدرة على مواصلة العمل نحو هدف ما عندما يواجهون عقبة ما.
- القدرة على التحكم الداخلي بالمشاعر والأفكار: الأشخاص المرنون نفسياً غالباً ما يؤمنون بأن ما يحدث لهم في حياتهم سببه هم وليست قوى خارجية صادرة عن الآخرين ويعتقدون أن التحكم في حياتهم مصدره ذواتهم لا الخارج، وهذا ما يجعلهم يشعرون بضغط أقل خلال المواقف المختلفة لأن الأشخاص الذين لديهم موضع تحكم داخلي ونظرة واقعية للعالم يمكن أن يكونوا أكثر مرونة في التعامل مع الضغوطات في حياتهم وأكثر توجهاً نحو الحلول، كما يشعرون بإحساس أكبر للسيطرة على حياتهم وامتلاك زمام الأمور، وهذا بالنتيجة يجعلهم في المستوى الأقل من الضغط النفسي والعصبي.
- التفاؤل والإيجابية: يميل الأشخاص المرنون نفسياً إلى رؤية الإيجابيات في معظم المواقف التي يمرون بها مهما كانت سلبية ويبحثون عن تلك الإيجابيات من منطلق إيمانهم بأنفسهم وبقوتهم وهذا ما يغير طريقة تعاملهم مع المشاكل من عقلية الضحية إلى عقلية القادر والمنتصر.
- الدعم الاجتماعي: يلعب الدعم الاجتماعي دوراً مهماً في تعزيز المرونة النفسية لدى الأفراد كما أنه يحسن الصحة العقلية بشكل عام، لأن الإنسان عندما يكون ضمن بيئة إيجابية داعمة فسيكون أقوى بالطبع مما ينعكس على تصرفاته، وهذه القوة تأتي عادة من محيط العائلة والأصدقاء.
- الحس الفكاهي: الأشخاص ذوي المرونة النفسية يميلون إلى امتلاك حس فكاهي يمكّنهم من التعاطي ببعض الفكاهة مع صعوبات الحياة، تلك الفكاهة النابعة من القوة وليس من السخرية والاستهتار، وهذا الأسلوب من التفكير تدفعهم لرؤية الصعوبات على أنها تحدٍّ لا تهديد، هذا ما يجعل التعامل مع تلك المواقف أقوى وأسهل.
- الروحانية: الجانب الروحي ذو أهمية أيضاً لدى الأشخاص ذوي المرونة النفسية العالية، فهم مؤمنون بشكل أو بآخر بأن هناك الكثير الذي عليهم مواجهته في هذه الحياة، وأن كل تلك الأمور اختبارات تطهيرية للنفس، فذلك يجعلهم أقدر على الصمود في وجه المصاعب والتحديات. [3]
إذا كنت تشك بمدى مرونتك النفسية وتحتاج لتقديرها بشكل أصح لتعرف إن كان من الضروري العمل على إعادة بنائها وتعزيزها؛ جرب هذا الاختبار البسيط الذي سيخبرك عن مدى مرونتك النفسية، أجب عن الأسئلة التالية بصراحة وشفافية وامنح نفسك 5 درجات عن كل إجابة بـ "نعم":
كل ما كانت درجتك منخفضة في هذا الاختبار دلّ ذلك على تمتعك بقدر أكبر من المرونة النفسية، إذا تجاوزت درجتك 20 درجة -أجبت على أكثر من أربعة أسئلة بـ نعم- فأنت بحاجة فعلاً للتفكير بإعادة بناء مرونتك النفسية.
يجب أن تنتبه أن هذه الأسئلة على الرغم من بساطتها تحمل دلائل كثيرة، فاهتمامك بالتعبير عن غضبك لصديقك الذي تأخر عليك يعني غالباً أنك تأخذ الأمر على محمل شخصي وتنسى أن هناك الكثير من الأمور الخارجة عن سيطرتك وسيطرة الآخرين، كذلك رفضك للذهاب إلى مكان تعرضت فيه للإحراج قد يدل على احتفاظك بالمواقف السلبية لفترات طويلة وعدم قدرتك على تبديدها بسهولة، وتمسكك بالتفاصيل الصغير يعبّر أيضاً عن خوفك من التغيرات على اختلاف درجتها وبحثك دائماً عن مناطق الراحة.
جرب أيضاً اختبار المرونة الشخصية على موقع حِلّوها من خلال النقر على هذا الرابط.
انخفاض المرونة النفسية عند أيّ كان يعتبر مؤشراً للتنبؤ بما يلي: [1]
- مقدار أعلى من القلق والحساسية تجاه الأشخاص والأحداث المختلفة.
- ميل أكبر للاكتئاب.
- المزيد من المشكلات النفسية.
- ضعف الأداء في العمل.
- عدم القدرة على التعلم.
- تعاطي المخدرات.
- عدم الشعور بإيجابيات الحياة.
- الشعور بالعجز وعدم القدرة على التصرف.
في الختام... المرونة النفسية موضوع واسع وممتع، والأمتع فيه أن تجد نفسك بعد الاطلاع على المعلومات السابقة شخصاً يمتلك هذه الصفات والمهارات ويستطيع تجاوز المصاعب والمواقف التي يمر بها في حياته مهما كانت صغيرة أو كبيرة بقد جيد من ضبط النفس والتحكم بالمشاعر والسيطرة على الأفكار، لن كل ذلك يعني بالنتيجة أنك إنسان متحكم بذاته ومؤثر لا متأثر.