أسباب انخفاض احترام الذات وطرق تعزيز تقدير الذات
انتبه علماء النفس والفلاسفة القدماء قبلهم إلى أهمية الصورة الذاتية، لكن مع اتساع العوامل المؤثرة على نظرتنا لذواتنا في العصر الحديث كنتيجة طبيعية لاختلاف وسائل التواصل ومعايير القيمة الذاتية والصورة الاجتماعية؛ أصبحت دراسة الصورة الذاتية وتقدير واحترام الذات أمراً شديد الأهمية، ولذلك أسهبنا في تفسير المفاهيم المختلفة لتقدير واحترام الذات، ولذلك ننصحكم بقراءة هذا المقال حتى النهاية.
معنى مصطلح احترام الذات أو تقدير الذات (Self-Esteem) أنه الشكل الذي نرى نحن أنفسنا عليه، نظرتنا إلى قيمتنا ومعنى وجودنا وأهميته في هذا العالم، وإلى أي درجة تحب ذاتك وتحترمها وتعتبرها جديرة.
ويعتبر احترام الذات من السمات الشخصية التي تكتسب صفة الاستقرار إلى حد بعيد، حيث يتم رسم ملامح الصورة الذاتية وتشكيل شعورنا نحو أنفسنا في مراحل مبكرة من الحياة، متضمنة تقييمنا لمظهرنا الخارجي وأفكارنا ومعتقداتنا وعواطفنا وسماتنا الشخصية العامة.
وعلى الرغم من الاستقرار النسبي التي تتصف به الصورة الذاتية إلّا أنها تخضع لتغيرات وانقلابات كثيرة ومتعددة في مراحل عمرية مختلفة وكاستجابة للأحداث والانقلابات التي يمر بها الإنسان الفاعل، كما يعتبر تحقيق الذات والوصول إلى درجة متوازنة من احترام الذات أحد الدوافع الأساسية التي تحرك السلوك البشري حسب تصنيف ماسلو الهرمي للاحتياجات. [2,1]
تدني احترام الذات أو احتقار الذات أو انخفاض تقدير الذات هو النظرة السلبية للذات والشعور الداخلي بعدم الجدارة أو الأهلية، ويكون تدني تقدير الذات سبباً أساسياً للعديد من الاضطرابات النفسية مثل الانطوائية والشخصية الاتكالية واضطراب الشخصية النرجسية، وفي الحالات الأقل خطورة يكون انخفاض تقدير الذات عائقاً أمام النجاح والتطور والتقدم.
وسيكون مفهوم تشوُّه الصورة الذاتية أوضح من خلال الفقرات القادمة التي نستعرض فيها أعراض وأسباب تدني احترام الذات.
عادةً ما يتم استخدام مصطلحي احترام الذات والثقة بالنفس كمترادفين، وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة بين المفهومين؛ إلّا أن هناك فروق لا بد من الوقوف عندها.
يمكن القول باختصار أن احترام الذات هو النظرة العامة للذات التي تتأثر بعدد كبير من العوامل الذاتية والموضوعية، والتي تنعكس بطبيعة الحال على أدائنا الاجتماعي والمهني؛ فيما تتعلق الثقة بالنفس بالمهارات والقدرات الشخصية وفي حالات أكثر تحديداً مقارنة باحترام الذات.
مثلاً؛ قد تتمتع باحترام الذات في حياتك العامة لكنك لن تكون واثقاً من ذاتك في مجال الحسابات، وقد تعاني من انخفاض تقدير الذات لكنك في الوقت نفسه تثق بقدرتك على اتقان العمل المكتبي أو اتقان السباحة أو اتقان أي نوع من المهارات والأعمال.
والعلاقة بين احترام الذات والثقة بالنفس علاقة تبادلية، حيث تؤثّر نظرتنا العامة إلى ذاتنا على قدرتنا في اكتساب الخبرات الجديدة والتعلم والتدريب، كما ينعكس اتقاننا للمهارات المختلفة وأداءنا الأعمال أو الأنشطة بشكل جيد على صورتنا الذاتية، لكن هذه العلاقة لا تجعل من المفهومين أمراً واحداً، خاصة عند وجود مشكلة في الثقة أو الاحترام تحتاج لحل.
اختبارات احترام الذات واحتقار الذات
يسعى علماء النفس المعاصرون منذ عقود لمنح الناس العاديين القدرة على تحديد مشاكلهم النفسية من خلال وصف مبسط واختبارات نفسية بسيطة تحدد نوع ومدى المشكلة، وقد قدَّم موقع حلوها اختباراً نفسياً لتقدير الذات يمكنكم إجراؤه على الفور من خلال النقر على هذا الرابط، كما يمكنكم إجراء اختبار إدراك الذات العلني الذي يختبر تأثير الآخرين على صورتنا الذاتية من خلال هذا الرابط.
- الصدمات:الصدمات المختلفة التي يمر بها الإنسان وطريقة تفاعله معها تساهم في رسم ملامح الصورة الذاتية، فالتعرض للصدمات النفسية المفاجئة أو المرور بتجربة سيئة ممتدة يعتبر سبباً من أسباب تدني احترام الذات.
- الطفولة التعيسة: عندما كانت مرحلة الطفولة من أهم مراحل تكوين الصورة الذاتية فإن الطفولة التعيسة تؤدي إلى انخفاض احترام الذات، ومظاهر الطفولة التعيسة تبدو واضحة في التعرَّض للقسوة والإساءة الجسدية أو العاطفية والإذلال والفقر أو الأسرة المفككة أو الأب المدمن... وغيرها.
- السياق التربوي: حتى وإن لم تكن الطفولة تعيسة بمعنى الكلمة، لكن بعض الممارسات التربوية الخاطئة قد تهدد الصورة الذاتية وتجعل من الطفل أقل احتراماً لذاته، مثل المقارنة المستمرة وتحطيم المعنويات أو الإهمال العاطفي.
- الإساءة العاطفية والجسدية والتنمر: في مرحلتي الطفولة والمراهقة قد تكون البلطجة والتنمر في المدرسة والمنزل سبباً رئيسياً لتدني احترام الذات، وفي مراحل لاحقة قد يؤدي التنمر في مكان العمل أو الدراسة إلى تحطيم وتشويه الصورة الذاتية.
يعتبر تدني وانخفاض احترام الذات من أكثر المشاكل النفسية تعقيداً من حيث الأسباب، يعود هذا التعقيد إلى تأثير تفاعلنا مع كل ما هو حولنا من تجارب وبيئات مختلفة وفي مراحل عمرية مختلفة على صورتنا الذاتية ونظرتنا الداخلية، إضافة إلى اختلاط الأسباب بالنتائج في كثير من الحالات وتفاعل الأسباب مع بعضها بشكل ديناميكي، وتعتبر الأسباب التي ذكرناها أبرز أسباب تدني احترام الذات أو الشعور باحتقاء الذات.
حتى وقت قصير كانت عوامل انخفاض احترام الذات مفهومة بشكل جيد، لكن مع طفرة التواصل الاجتماعي الإلكتروني خلال السنوات القليلة الماضية برزت وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وغيرها كعامل مميز وأكثر فاعلية مما نعتقد بتشكيل الصورة الذاتية والتحكُّم باحترام الذات.
ويأتي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على احترام الذات من خلال المقارنات التي يقوم بها المستخدمون بشكل أساسي، سواء كانت هذه المقارنات صاعدة (مقارنة أنفسنا مع الأفضل) أم هابطة (مقارنة أنفسنا مع الأدنى) وعادة ما تكون المقارنات الصاعدة أكثر تأثيراً وأكثر شيوعاً عبر الانترنت.
حيث يعتقد معظم مستخدمي فيسبوك أن أصدقائهم الافتراضيين أفضل منهم وأكثر سعادة، خاصة في غياب التواصل الحقيقي معهم، وذلك من خلال ما يشاركه الأصدقاء الافتراضيون من صور ونشاطات لا تعكس رفاهيتهم أو سعادتهم الحقيقية وإنما تعكس الجوانب التي يتمنون أن تطغى على حياتهم، وهي ليست كذلك بطبيعة الحال.
كما تؤدي أدبيات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إلى خلل في منظومة المقارنات الاجتماعية، فالمقارنة الصاعدة مثلاً تعتمد على مدى نشاط الصديق الافتراضي عبر فيسبوك وعدد تسجيلات الإعجاب أو المشاركات أو الأصدقاء...إلخ، على الرغم من وهمية كل ذلك لكنه يدفع للغيرة والشعور بالدونية.
وتشير الدراسات أن معظم الذين يستخدمون فيسبوك بشكل مستمر يعانون من مشاكل في تقدير الذات وانخفاض في الثقة والاحترام، ذلك أنهم يقارنون أنفسهم باستمرار وبشكل لا إرادي بمن يعتقدون أنهم أفضل، وطريقة عمل فيسبوك تجعل معظم الأصدقاء الافتراضيين يبدون أفضل وأكثر سعادة، بالتالي تزداد حالات المقارنة وما ينتج عنها من مشاعر سلبية.
هذا ما تؤكده دراسة أخرى استهدفت كشف الرابط بين عدد ساعات استخدام فيسبوك وطبيعة هذا الاستخدام وبين تأثيره على تقدير واحترام الذات، لتجد أن هناك علاقة وثيقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وبين تدني احترام الذات، وأن الإناث أكثر اهتماماً بالمقارنة الاجتماعية عبر فيسبوك.
راقب نفسك وتوقف عن الحديث مع نفسك بصفات سلبية (أنا غبي، أنا قبيح، لا أحد يحبني، أنا بدين، لا أجيد التصرف، لا أعرف كيف أتعامل، لا أستحق،...إلخ)، خاطب نفسك باحترام كما يجب أن تفعل، وتوقف عن جلد الذات، واقرأ مقالنا عن أهمية الإيحاء الذاتي.
أعد تقييم نفسك بالورقة والقلم، وتأكد أن الشتائم التي توجهها لنفسك لن تكون ذات فائدة أبداً، استبدلها بصفات واقعية وقابلة للقياس والتقويم، وحافظ على القائمة في سبيل تحديثها باستمرار.
أخيراً... تقصدنا أن نعطي قضية الصورة الذاتية واحترام وتقدير الذات حقها من حيث الشرح والتفصيل لأن تدني احترام الذات يعتبر من المشاكل النفسية الشائعة التي تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، وليس من العسير تعزيز تقدير الذات بشرط فهم حقيقة الصورة الذاتية والمفاهيم المرتبطة بها، ونتمنى أن نكون قد قدمنا في مقالنا كل ما يلزم لإعادة تقييم مدى احترام الذات والتعامل مع تدني تقدير الذات، كما يمكنكم طلب المساعدة من خبراء حلوها عبر هذا الرابط.