أسباب الخوف من التجارب والأماكن الجديدة
يبدأ الطفل الرضيع بالخوف من الغرباء والأشياء الجديدة مع نهاية الشهر السابع من عمره، وحتى أخر لحظة في حياة الإنسان سيبقى الخوف من التجارب والأماكن الجديدة والأشياء غير المألوفة والخوف من التغيير ملازماً له كجزء طبيعي من تفاعله مع الحياة من حوله، وهنا تأتي ضرورة التمييز بين الخوف الطبيعي من التجارب الجديدة والتغيير والخوف المرضي أو رهاب الجديد نيوفوبيا.
الخوف من التجارب الجديدة أو النيوفوبيا (بالإنجليزية: Neophobia) هي حالة من الخوف غير العقلاني من الأشياء الجديدة، سواء كانت أماكن جديدة أو أشخاص جدد أو تجارب جديدة أو أطعمة جديدة أو غيرها، ويتخذ الخوف من التغيير والجديد أشكالاً ودرجات مختلفة، تبدأ عند الخوف الطبيعي من الأشياء والأماكن الجديدة ومقاومة التغيير، وقد تتطور إلى مراحل شديدة تصبح رهاباً لا تقل حدته عن أنواع الرهاب المختلفة.
عادةً ما يكون الخوف من التغيير والأماكن والأشياء الجديدة طبيعياً عند أغلب الناس بسبب التمسّك بمنطقة الراحة، وغالباً ما نستطيع تجاوز هذا الخوف أو هذه المقاومة عندما نجبر أنفسنا على الانخراط في التجارب الجديدة، لكن في بعض الحالات يصل الخوف من التجارب الجديدة إلى نوبات الهلع وأعراض الرهاب المعروفة والتي تطلب استشارة المعالج النفسي المتخصص.
ويعتبر الصراع الداخلي بين الفضول والخوف من المجهول صراعاً يدور داخل عقل كلٍّ منّا أمام باب مطعم جديد أو عند اختيار وجهة سياحية أو قراءة إعلان عن وظيفة شاغرة، تتملكنا الرغبة بالتجربة مع الخوف منها، البعض ينتصر عليه خوفه ويتجنب خوض أي تجربة جديدة.
إن الخوف من الأشياء والتجارب والأماكن الجديدة سمة عامة عند الإنسانوغيره من الخلوقات، فحتى الحيوانات تواجه المواقف الجديدة بحذر، إلا أن قدرتنا على التحكم بخوفنا وتجاوزه تختلف من فرد لآخر، وتختلف عند نفس الشخص من مرحلة إلى أخرى، لذلك يجب النظر في الأسباب الممكنة للخوف من التجارب والأماكن الجديدة لتفسير هذا الخوف بشكل أفضل وإيجاد الحلول المناسبة له.
أما أسباب فوبيا الجديد أو الخوف غير العقلاني من الأشياء والتجارب الجديدة فهي غير معلومة بدقة، وتلعب العوامل الوراثية والاجتماعية وسياق التربية دوراً في تطوّر حالات الرهاب من الشيء الجديد، وتتشابه أعراض هذا الرهاب مع غيره من أنواع الفوبيا من أعراض جسدية وانفعالية على شكل نوبات هلع.
أما إذا كان خوفك من التجارب الجديدة في الحدود الطبيعية لكنه يسبب لك بعض المشاكل الاجتماعية أو يمنعك عن اكتساب المزيد من الخبرات ويجعلك نادماً على تفويت الفرص، ستساعدك الخطوات التي ذكرناها على مواجهة مخاوفك والجرأة في خوض تجارب جديدة.
يجب أن تعرف أن الخوف من التغيير شيء طبيعي، هذا الخوف الذي يصاحبنا عندما ننتقل من مدرسة إلى أخرى، أو من عمل إلى آخر، وهو الخوف الذي يمنعنا من تغيير مكان السكن والإقامة أو تغيير المهنة ومصدر الدخل، وقد يحول بيننا وبين تعلم لغة جديدة أو مهارات مختلفة وبعيدة عن مهاراتنا الحالية، المشكلة الحقيقة هي في كيفية التعامل مع هذا الخوف من الجديد، هل يجعلك متردداً حتى ضياع الفرصة! وهل يجعلك ترفض التعرّف إلى الفرص الجديدة لأنك لا ترغب بالتحدي والمواجهة!
من النادر أن نقدم على تجربة جديدة بالكامل أو ندخل إلى مكان جديد دون الشعور بالقلق والخوف، حتى أكثرنا شجاعة في خوض التجارب الجديدة يخبئ خلف شجاعته قلقاً عميقاً من التجربة الجديدة، لكنه يجيد السيطرة على قلقه والتحكّم به بشكل عملي، وإن لم يكن لديه هذا القلق فهو متهوّر ومتسرّع وليس شجاعاً!
متى يصبح الخوف من التجارب الجديدة خطيراً؟
عادة ما يكون الخوف من الأشياء الجديدة طبيعياً لدى معظم الأشخاص، حيث يهاجمنا الشعور بالقلق عند محاولة الاندماج في مجتمع جديد أو دخول مكان جديد أو مغامرة جديدة، لكن في حالات نادرة يتحول الخوف من الأشياء الجديدة إلى رهاب أو فوبيا، وأشهر أنواع هذا الرهاب هو الخوف من الأطعمة الجديدة أو رهاب الطعام الجديد.
على الرغم أن معظمنا يمتلك تفضيلات غذائية معينة وقد لا نرغب جميعاً بتجربة أطعمة غير مألوفة لأسباب مختلفة، إلّا أن رهاب الأطعمة الجديدة عادة ما يرتبط بمرضى التوحد ومرضى التصلب المتعدد، كما يعتبر الأطفال بين 3 إلى 7 سنوات أكثر عرضة لإظهار أعراض رهاب الأطعمة الجديدة كجزء من نموهم الطبيعي. [2]
ويكون الخوف من التجارب الجديدة خطيراً عندما يرتبط بأعراض الفوبيا والرهاب، مثل الشعور بالتوتر الشديد وضيق التنفس وبرودة الأطراف وتغير حيوية الجسم الذي قد يصل إلى الإغماء، وهي أعراض نوبات الهلع، كما يكون رهاب الطعام الجديد خطيراً إذا كان له تأثير على الصحة الجسدية مثل نقص التغذية أو السمنة المفرطة بسبب الاعتماد الكلي عن أنواع محددة من الطعام.
لتواجه خوفك من الأماكن والتجارب الجديدة وتتخلص من الخوف من التغيير عليك أن تعرف قيمة التغيير وأهمية الدخول في تجارب جديدة دائماً:
- ستكون أثر تأقلماً: الحياة بطبيعتها متجددة ولا شيء فيها ثابت دائماً، الأشخاص من حولك سيتغيرون والأماكن ستتغير، ستجد في طريقك فرصاً جديدة دائماً وفرصاً أخرى لن تعود أبداً إذا فوّتها، أنت نفسك تتغير كلّ يوم، خلايا جسدك تتبدل وتموت وتظهر مكانها خلايا جديدة، لتتمكن من التأقلم مع طبيعة الحياة دائمة التغير؛ يجب أن تتمرن على خوض التجارب الجديدة والجرأة على دخول الأماكن الجديدة وتقبّل التغيير والتأقلم معه، تذكّر قول هيراقليطس: أنت لا تسبح بمياه النهر الواحد مرتين لأن مياهً جديدة تجري حولك في كل مرة.
- تساعدك التجارب الجديدة على اغتنام الفرص: إن إحدى النتائج السلبية لخوفك من التجارب الجديدة هي الشعور المتجدد بالندم على تفويت الفرصة، حتى على مستوى الخيارات البسيطة كالذهاب في رحلة مع الأصدقاء إلى مكان أو نشاط جديد، والجرأة في خوض التجارب الجديدة يجعلك أستاذاً في اغتنام الفرص لأنك تذهب إليها ولا تنتظرها أن تأتي إليك.
- ستعرف ما هو جيد وما هو سيء: من دون التجربة لن تتمكن من معرفة الأمور والأشياء والأماكن التي تسعدك وتلك التي تزعجك، فمن خلال الجرأة على التجارب الجديدة وتقبّل التغيير يمكنك توسيع قائمة تفضيلاتك باستمرار وتعزيز معرفتك بذاتك وبكل ما هو حولك.
- التجارب الجديدة تعزز الثقة بالنفس: وذلك لأن التجربة الجديدة مهما كانت نتائجها ستمنحك المزيد من الخبرة والمعرفة والثقة، والتغيير هو أفضل طريقة لتعرف نقاط قوّتك ونقاط ضعفك.
- ستصبح أكثر جاذبية: خوض التجارب الجديدة وما تتركه لديك من معرفة وخبرة في أمور مختلفة يجعل منك شخصاً جذاباً اجتماعياً، أكثر بكثير من الأشخاص الذين تمسكوا بروتين حياتهم لسنوات طويلة دون أدنى تغيير والذين لا يملكون ما يتحدثون عنه ويكون جديراً بالاستماع.
- التجارب الجديدة جزء من النجاح: إن عبارات مثل لا أستطيع أو لا أعتقد أنه سيكون جيداً فعل كذا وكذا، وغيرها من العبارات التي تبرر هروبنا من التجربة الجديدة... جميعها تدفعنا نحو الفشل أو على الأقل تمنعنا من التقدم، وفي قراءة قصص النجاح ستجد أن جزءاً أساسياً من رحلة النجاح هو الإقدام على التجارب الجديدة.