ابتكار طبي لعلاج متلازمة داون
تعتبر متلازمة داون واحدة من التحديات الصحية الأكثر شيوعًا التي يواجهها العديد من الأفراد حول العالم. تحدث هذه الحالة عندما يولد الشخص بثلاث نسخ من الكروموسوم 21، بدلاً من النسختين الطبيعيتين، مما يؤثر بشكل عميق على نمو الدماغ ويسبب إعاقات ذهنية وصعوبات تعليمية. ولكن، هناك أمل جديد في الأفق، حيث تمكن باحثون من ابتكار تقنية واعدة قد تُحدث ثورة في علاج هذه الظاهرة.
ما هي متلازمة داون؟
تُعرف متلازمة داون بأنها حالة وراثية ناتجة عن انقسام غير طبيعي للخلايا، مما يؤدي إلى وجود نسخة إضافية كاملة أو جزئية من الكروموسوم 21. هذا الكروموسوم الإضافي يسبب اختلافات في النمو والسمات الجسدية، وهو ما تم توثيقه من قبل عدة مصادر طبية مرموقة مثل مايو كلينك.
تم تسمية هذه الحالة على اسم الطبيب الإنجليزي جون لانغدون داون الذي كان أول من وصفها. تختلف شدة متلازمة داون بين الأفراد، حيث تسبب الإعاقة الذهنية مدى الحياة وتأخر النمو، وتعتبر من أكثر الأسباب شيوعًا للإعاقات الذهنية لدى الأطفال. كما أنها قد تؤدي إلى مشاكل صحية أخرى، مثل مشكلات القلب والجهاز الهضمي.
من خلال فهم أعمق لمتلازمة داون وتطبيق تدخلات مبكرة، يمكن تحسين نوعية حياة الأطفال والبالغين المصابين بهذه الحالة، مما يساعدهم على عيش حياة مليئة بالإنجازات.
ابتكار تقنية جديدة لاستئصال الكروموسوم الزائد
في خطوة مبتكرة، استخدم علماء من جامعة "ميي" في اليابان تقنية "كريسبر-كاس9" (CRISPR-Cas9)، والمعروفة باسم "المقص الجزيئي"، لاستئصال الكروموسوم الزائد من خلايا تم تنميتها في المختبر. تمكن هذا النظام من التمييز بين الكروموسوم المكرر والنسختين الأصليتين من الأبوين، مما يضمن عدم فقدان الخلايا لأحد نسختي الأبوين.
أظهرت الخلايا المصححة أنماطًا أكثر طبيعية من النشاط الجيني والسلوك الخلوي، وخاصة في المسارات المرتبطة بتطور الدماغ. لكن، يحذر الخبراء من أن هذه الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولية، وأن تطبيقها كعلاج عملي لا يزال بعيد المنال.
تحديات البحث والتطبيق
يوضح الدكتور روجر ريفز من كلية الطب بجامعة "جونز هوبكنز" أن "إزالة الكروموسوم الإضافي من خلية واحدة كانت ممكنة منذ أكثر من عقد، ولكن جسم الإنسان يحتوي على تريليونات من الخلايا، وكل منها يحمل الكروموسوم الإضافي، مما يجعل من الصعب تطبيق هذه التقنية كعلاج شامل".
تم اختبار التقنية على نوعين من الخلايا: خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات وخلايا ليفية جلدية. استخدم الفريق تقنية "كريسبر-كاس9" لقطع الكروموسوم 21 الإضافي، مما أجبر الخلية على التخلص منه بالكامل. ومع ذلك، تبين أن التحدي كبير، حيث يتطلب الأمر نظريًا إزالة الكروموسوم الإضافي من أكثر من 800 مليون خلية لتحقيق نتائج فعالة.
التحديات الأخلاقية والتقنية
تواجه هذه الأبحاث أيضًا تحديات تقنية وأخلاقية جسيمة، تتعلق بالمخاوف من العواقب غير المقصودة وإمكانية ظهور "أطفال مصممين". ومع ذلك، يرى الباحثون أن هذا العمل يمثل نقطة تحول مهمة ويفتح آفاقًا جديدة لدراسة متلازمة داون على المستوى الخلوي، ما قد يمهد الطريق لعلاجات مستقبلية لهذه الحالة.
بارينيتي الحلقة 85