-

كيفية التخلص من ذكريات الطفولة السيئة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:09:39 )

نحمل جميعاً في داخلنا ذكريات ترافقنا من طفولتنا، منها الحلو ومنها المر. فالطفولة ليست مجرد مرحلة عمرية كباقي مراحل حياتنا؛ بل هي المرحلة الأهم التي تشكل شخصيتنا وهويتنا وتؤثر في سلوكياتنا وتعبئ جعبتنا حتى آخر يوم في حياتنا.
نخصص هذا المقال لمناقشة ذكريات الطفولة السيئة، وكيفية التخلص منها نسرد تأثيراتها السلبية علينا.

الطفل الداخلي بحسب علم النفس هو الجانب الطفولي من شخصية كل منا، وهو يحمل خبراتنا وتجاربنا وعواطفنا وهمومنا التي مرت بنا خلال طفولتنا، أو حتى قد يكون أحدنا يخزن داخله أمور مرت به عندما كان جنيناً في رحم والدته وخزن الذكريات في اللاوعي، وتؤثر هذه الذكريات في شخصيتنا وسلوكياتنا واعتقاداتنا ونظرتنا لأنفسنا وللعالم ككل، لتحركنا ونحن بالغين، مع بعض الكبت والإخفاء محاولين إقناع أنفسنا ومن حولنا أننا لم نعد أطفالاً.
فأي صدمة أو ذكرى سيئة نعاني منها في مرحلة الطفولة تبقى داخلنا وتؤثر علينا بشكل كبير، ويكون هذا التأثير سلبياً إن لم نعرف كيفية التخلص من ذكريات الماضي والتعامل مع ذكريات الطفولة السيئة
يُعتقد أيضًا أن ذكريات الطفولة المبكرة صعبة الاسترجاع والتذكر بالتفصيل، مما يعني أنها قد لا تكون دقيقة كما تبدو، كما يعتقد العديد من الباحثين أن ذكرياتنا الأولى غالباً ما تكون خليطاً من الأشياء التي نتذكرها بالفعل مع بعض التفاصيل والمعلومات التي أخبرنا بها الأقارب أو الأشخاص الآخرين، وكذلك بعض الاستنتاجات والاستقراءات بناءً على معلومات أخرى لدينا قد تكون ذات صلة. [1]
هناك أمور تكون كامنة في ذاكرتنا لفترة طويلة جداً -سواء كانت ذكرى سعيدة أو سيئة- لكن هناك محفزات تنعشها وتجعلنا نتذكرها ونعيشها من جديد كشم نفس الرائحة التي كنا نشمها أثناء الحدث، أو سماع صوت مشابه، أو حتى رؤية مشهد أو الإحساس بشعور مشابه أو زيارة نفس المكان مثلاً أو أي أمر مرتبط بهذه الذكرى.
فقد يكون أحدهم قد عانى من نوبة خوف ورعب شديدة عندما شهد البرق والرعد للمرة الأولى في طفولته، وما يحفز هذه الذكرى حدوث البرق والرعد، أو قد تعود له الذاكرة ليتذكر الموقف الأليم هذا عندما يشعر بخيبة الأمل أو بالوحدة لأنه عندما خاف من البرق والرعد في طفولته كان أهله قد تركوه في المنزل وحيداً.

قد يكون قد توقف بك الزمن في طفولتك عند لحظة سماع خبر وفاة عزيز، أو عندما تعرض للتنمر من قبل زميل له في المدرسة، أو لأنه نشأ في أسرة فقيرة، أو لأن بلاده عانت من الحروب أو من كارثة طبيعية مثلاً.

من أهم الأمور التي تشكل ذكريات الطفولة السيئة لدينا:

  • مشاعر الفقد: كوفاة أحد الوالدين أو حتى صديق العائلة أو الجار، فقد تؤثر الصدمة على الطفل، وخاصة إن كانت معاناته مستمرة جراء هذا الفقد كفقد أحد أفراد الأسرة، أو قد يكون الشخص ليس قريباً من الطفل لكنه شهد وفاته أو سمع صراخ وعويل أهله وخزن الموقف في عقله.
  • الحروب والكوارث الطبيعية: تهتم المنظمات الدولية بالأطفال ونفسياتهم بعد الحروب والكوارث الطبيعية، لما تتركه في نفوسهم من مشاهد وذكريات أليمة وآلام جسدية ونفسية كبيرة.
  • التعرض للأذى النفسي أو الجسدي أو الجنسي: كالتعرض للضرب أو التنمر أو الاعتداء الجنسي، ويشمل ذلك ما قد يتعرض له الطفل في البيئات المختلفة مثل البيت والمدرسة والشارع.
  • المشكلات الأسرية: كالصراعات المستمرة أو حتى عدم احترام أفراد الأسرة لبعضهم.
  • الفقر: وما يتركه العوز المادي في النفس لعدم تمكن الشخص من سد احتياجاته الأساسية كالغذاء والدواء.
  • مرض الشخص أو أحد المقربين منه: كتعرض الشخص وهو طفل لمرض ما، أو حضوره لمعاناة شخص قريب يعاني من المرض.
  • مشكلات في المدرسة: وذلك بسبب تأخره الدراسي أو مقارنته بزملائه أو تعرضه للتنمر أو فير ذلك.
  • الغيرة بين الأخوة والمقارنات بينهم أو بين الأقران:فالغيرة بين الأخوة والمقارنات من شأنها أن يدمر العلاقة بين الإخوة، وأن يترك أثراً كبيراً على الطفل الداخلي.
  • التعرض لمشاهد مؤثرة: في الحقيقة أو حتى من خلال التلفاز أو الإنترنت أو القصص والروايات، كرؤية شخص يموت أمام عيني الطفل، أو رؤيته لمشاهد أليمة في التلفاز، أو حتى تعرضه لمحتوى إعلاني جنسي.

فكل هذه الأمور لا تعد لحظات عابرة تمر معنا في طفولتنا فحسب، بل أنها تعيش معنا عمراً وتؤثر فينا، حتى لو لم نتذكر تفاصيلها.
فقد تكون شخصيتك متمردة بسبب ظلم تعرضت له منذ طفولتك أو لأنك عشت في مجتمع ينظر إليك نظرة دونية بسبب نسبك أو جنسك أو دينك، وقد تعاني من اضطراب الاكتناز القهري لأنك عشت الفقر والعوز أيام الطفولة، وقد تخاف المرض والمستشفيات لأن إبرة كسرت في يدك أثناء سحب الممرض للدم منك مرة عندما كنت طفلاً. فمعرفتنا بالطفل الداخلي بنحو جيد يتيح لنا فهم ذاتنا أكثر، وحل المشكلات التي نعاني منها لنعيش بسلام داخلي، ولنتمكن من أن نكون نسخاً أفضل عن أنفسنا.​​​​​​

لا بد أنك قد بدأت بتفسير بعض السلوكيات التي تصدر منك، أو عرفت السبب لكثير من جوانب شخصيتك الآن، وأدركت أن لذكريات الطفولة السيئة الأثر الكبير على ما أنت عليه الآن. لكن ما الحل؟ وهل ستعيش هذه الذكريات السيئة معك طوال حياتك دون أن يكون هناك أمل في محوها أو على الأقل محو أثرها من الذاكرة؟

لا بد أن علماء واختصاصيي علم النفس قد تمكنوا من الوصول لبعض الاستراتيجيات والطرق التي تساعد الناس على التعامل مع ذكريات الطفولة السيئة، هذه أهمها:

  • استرجع الذكرى السيئة بتفاصيلها: حاول أن تتذكر ما حصل معك بالتفصيل، وكيف شعرت آنذاك، سيكون هذا مؤلماً، وقد تكون متعمداً التهرب من تذكره لسنوات، لكن لا بأس افعل هذا الآن، فكلما حاولت قمع ذكرى سيئة ستجد نفسك تفكر في الأمر أكثر، هذا هو السبب الذي يجعل العلاج بالتعرض للشيء أفضل. حاول أن تتذكر بموضوعية أكثر لتقليل شعورك بالضيق.
  • استشعر مدى تأثيرها السلبي عليك: راجع نفسك وحياتك واعلم بتأثير هذه الذكريات السيئة عليك، وقرر أن توقف هذه الدائرة.
  • اقنع نفسك أن الماضي قد رحل: عش الحاضر الآن، ولا تسمح لذكريات الطفولة السيئة هذه أن تتحكم بحياتك أكثر بعد الآن، فأنت تستحق الراحة والسعادة.
  • تحدث عنها أمام الناس: فجد شخصاً موثوقاً تتكلم معه فيها، أو انضم لمجموعات الدعم واستمع لتجارب غيرك مع ذكريات طفولتهم السيئة لتعلم أنك لست وحدك من يعاني، ولتستمد القوة منهم.
  • تعرف على محفزات الذكريات السيئة: تعرف على الأمور التي تثير ذاكرتك وتجعلك تتذكر ذكريات الطفولة السيئة هذه؛ فمثلاً إن كانت رائحة البرتقال تذكرك بوفاة عزيز عليك لأنك كنت تشرب عصير البرتقال عندما وصلك الخبر وأنت صغير، فابدأ بالتحكم في هذه المحفزات واربطها بذكريات جديدة مفرحة بالنسبة لك لتشتت عقلك عن تذكر الذكريات السيئة المرتبطة بها. فمثلاً اشرب عصير البرتقال في أوقاتك السعيدة.
  • اطلب المساعدة: فلا بأس أن تلجأ لاختصاصي نفسي لمساعدتك، فهو مدرب للتعامل مع مثل حالتك، وسيساعدك كثيراً ما يحسن جودة حياتك ككل. [3،2]

الأشخاص الذين لديهم ذكريات جميلة في مرحلة الطفولة وتمتعوا بطفولة صحية عادةً ما يتمتعون بصحة أفضل، وحالات اكتئاب أقل، واحتمالية أقل للإصابة بالأمراض المزمنة عندما يصبحون بالغين أو كبار في السن وفقًا لبحث نشرته جمعية علم النفس الأمريكية. كما وجد في مجموعة من الأبحاث الأخرى أن الطفولة السليمة تخفض مشكلات المراهقة والشباب كذلك كتعاطي المخدرات. [1]
في المقابل- وكما ذكرنا من قبل- أن ذكريات الطفولة السيئة تؤثر في شخصيتنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا وردود أفعالنا، كما تؤثر على نظرتنا لذاتنا وللعالم ككل وذلك بحسب التجربة التي مر بها الشخص.

في النقاط التالية سوف نوضح تأثير ذكريات الطفولة السيئة علينا:

  • قلة الثقة بالنفس: فقد يؤثر موقف ما على ثقة الطفل بنفسه، وتكبر المشكلة لديه كلما كبر بسبب موقف مر به في طفولته وهز ثقته، كتعرضه للتنمر مثلاً.
  • نقص الثقة بالآخرين: فقد يفقد الطفل الثقة بوالديه إن تأخروا عليه يوماً لاصطحابه للمنزل عندما انتهى دوام المدرسة وحدث معه موقف أليم خلال انتظاره.
  • مشكلات نفسية متعددة: فقد تولد ذكريات الطفولة السيئة لدى الشخص عقدة النقص أو الاكتناز القهري أو الخوف من زيارة الطبيب أو كره الجنس الآخر على سبيل المثال.
  • مشكلات جسدية: فقد يتطور الموضوع لمشكلات جسدية ناتجة عن زيادة القلق والتوتر والخوف وقلة النوم وكثرة الكوابيس كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وغيرها.

المصادر و المراجعaddremove

  • مقال Whitney White "هل ذكريات الطفولة مهمة؟"، منشور في betterhelp.com، تمت مراجعته في 6-10-2021
  • مقال Amy Morin "اسأل الأخصائي: كيف أتعامل مع الذكريات السيئة التي تدور في رأسي؟"، منشور في verywellmind.com، تمت مراجعته في 6-10-2021
  • مقال Sumaiya Kabir "كيف تنسى ذكريات طفولتك السيئة وتستعيد حياتك"، منشور في lifehack.org، تمت مراجعته في 6-11-2021
  • أحدث أسئلة تطوير الذات