كيف أصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والنفسي؟
لا يدرك الكثير من الأشخاص أهمية الاكتفاء الذاتي إلا بعد أن يواجهوا الكثير من المواقف، ويخوضوا الكثير من التجارب المخيّبة للآمال، والتي تدفعهم للتساؤل: هل سعادتي تتوقف على وجود هؤلاء الأشخاص في حياتي؟ أو كيف يمكن أن أتحرّر من أهمية وتأثير ما يُقال حولي؟ ليدرك الشخص في مثل هذه المواقف أنه عندما يكون مكتفياً بذاته ومقدّراً لها؛ فلن يؤثر فيه كلام شخص ما أو غيابه، وسيبحث عن طرق لإسعاد نفسه رغم كل الظروف الخارجية.
في مقال اليوم سنتعرّف على مفهوم الاكتفاء الذاتي في العديد من جوانب الحياة؛ في الحب والعمل والعلاقات الاجتماعية والعلاقة مع الذات، وسنستعرض بعض النصائح التي ستعينك عند تطبيقها على زيادة الشعور بالثقة والامتلاء الذاتي.
الامتلاء أو الاكتفاء الذاتي هي مرحلة عالية من تقدير الذات والثقة العالية بالنفس، يكون الشخص المكتفي بذاته متصالحاً مع ذاته، مدركاً لجميع نقاط قوته وضعفه؛ فيعمل على تعزيز نقاط قوته وقبول نقاط ضعفه والسعي لتحسينها والنمو الشخصي تدريجياً.
باختصار.. الاكتفاء الذاتي هي حالة من الإيمان بالذات وتلبية احتياجات النفس من الداخل، وليس من الأحداث أو الأشخاص أو الظروف الخارجية.[1]
من أربز سمات وصفات الشخص المكتفي بذاته:
- إدراك التنمية الذاتية: يدرك الشخص في حالة الاكتفاء الذاتي أنه قادر بنفسه على تنمية مشاعر السعادة والسلام رغم كل الأحداث الخارجية، إذ أنه يدرك قدرته على تلبية احتياجاته النفسية والعاطفية والمادية بنفسه، دون الاتكّال على الآخرين أو انتظار الظروف الخارجية حتى تتحسّن.
- االانفتاح على الآخرين: الشخص المكتفي بذاته قادر على الانفتاح على الآخرين واكتساب الخبرات والتجارب من خلال تعامله معهم، دون التعلّق بهم أو التفكير باتبّاعهم، فهو متحرر تماماً من آراء الآخرين، ولا يحتاج إلى الحصول على موافقتهم ولفت انتباههم أو الحصول على القيمة الشخصية من خلالهم.
- علاقاته متوازنة وصحيّة: يتميز الشخص المكتفي ذاتياً بقدرته على إنهاء العلاقات السامة والمستنزفة دون أن يكون لذلك تأثير كبير على حياته وحالته النفسية، كما يكون قادراً على انتقاء الأشخاص من حوله بطريقة صحيحة مبنية على التوازن في العلاقة.
- الشخصية المستقلة: يتميز الشخص المكتفي ذاتياً بشخصية مستقلة يصعب التأثير عليها من الآخرين كما يمتلك مجموعة من المبادئ والثوابت التي يتبناها عن قناعة ما يساهم في استقلال شخصيته.
- القدرة على التطور والنمو: من مميزات الشخص المكتفي ذاتياً قدرته على تحقيق النمو والتطور السريع في مجالات الحياة المختلفة انطلاقاً من فهمه العميق لذاته ومهاراته وقدراته، حيث يستطيع المكتفي ذاتياً تجاوز الكثير من العقبات التي يواجه الشخص الاعتمادي والمتردد أو الذي يتأثر بمحطيه بشكل مفرط.
حالة الاكتفاء الذاتي تتطلب جهد داخلي من قبلك؛ أي تحتاج لتوجيه أفكارك والتعامل السليم مع مشاعرك، بالإضافة إلى ممارسة سلوكيّات معينة تساعدك في الوصول إلى مرحلة الإشباع الذاتي، إليك بعض الأفكار والنصائح التي تساعدك على الوصول إلى حالة الامتلاء الذاتي: [1،2]
- تعزيز القيمة الذاتية: تعلّم الحصول على القيمة الذاتية من خلال نفسك، وليس من خلال الآخرين، أنت لست بحاجة أن تستولي على اهتمام أو انتباه الآخرين من أجل الحصول على احترامك لذاتك، تعلّم كيف تقدم المدح والتقدير والقيمة لذاتك وذلك على أبسط الأمور التي تقوم بها.
- الثقة بالحدس الشخصي: تعلّم أن تثق بحدسك ومشاعرك لتصل للقرارات والاستنتاجات الشخصية المناسبة لك دون اتبّاع أحد، هذا لا يعني ألا تطلب النصيحة من أحد، بل على العكس كنت منفتحاً على الأفكار الجديدة ولكن لتكن أنت صاحب القرار النهائي في أي أمر يخصّ حياتك.
- مارس هواياتك المفضلة: ابحث عن القيام بالأشياء التي تحبهّا والتي يمرّ الوقت دون أن تشعر أثناء ممارستك لها، يصل الكثير من الأشخاص لمرحلة الامتلاء الذاتي من خلال ممارسة الهوايات الشخصية، لأن ذلك يسمح لهم بقضاء وقت جميل مع أنفسهم. وهو ما يعزّز من حب الذات وتقديرها.
- تعزيز استقلال الشخصية: من الجيد الاعتماد على الأشخاص المحيطين بك في مساعدتك على القيام ببعض الأمور، ولكن لكي تحقّق الاكتفاء الذاتي يجب أن تتعلّم الاعتماد على نفسك في أداء مهامك، لأن ذلك يساهم في تعزيز ثقتك بنفسك ويخفّف من احتياجك للآخرين.
- تدّرب على عدم رفع سقف توقعاتك من الآخرين: بمعنى آخر تحرّر من فكرة اعتمادك على الآخرين من الأهل والأصحاب في منحك السعادة أو الراحة أو أي شعور إيجابي أنت ترغب به. بالطبع يحقق لك وجودهم إضافة جميلة، ولكن بدون أن يؤدي ذلك إلى التعلّق والاحتياج لهم.
- ابحث عن الاستقرار المالي: لا يمكننا أيضاً أن نهمل ذكر أهمية الاستقلال المادي في زيادة شعورك بالاكتفاء الذاتي، تساعدك الحرية المالية التي تحقّقها من خلال العمل الخاصّ أو الوظيفة في إدراكك لأهمية نفسك وزيادة تقديرها، خاصةً عندما يكون عملك هذا يخدم توجهّاتك وأهدافك في الحياة.
يسعى الكثير من الأشخاص لتحقيق حالة الاستقلالية في العمل، يعتبر العمل مكاناً مناسباً لإبراز القدرات الشخصية والإمكانات الفردية التي تجعل من الشخص مميزاً في بيئة العمل، الوصول لحالة الاكتفاء الذاتي في مكان العمل تساعد الشخص على: [3]
- الارتقاء لمناصب أعلى في العمل مع الوقت، إذ يُنظر إلى الشخص المعتمد على نفسه في العمل على أنه شخص كفؤ، قادر على تحمّل المسؤولية، كما يكون أكثر أحقية من غيره في تلقّي ترقية خلال مسيرة عمله.
- يساعد الاكتفاء الذاتي في العمل على أداء المهام بصورة أفضل، لأن الاعتماد على الذات في العمل يبرز مواهب الشخص وإمكانياته بشكل أكبر.
- كما أنّ الشخص الكفؤ في عمله يكتسب مع الوقت ثقة عالية في النفس، ويصبح ذو شخصية كاريزمية ويكون لحضوره أهمية في مكان عمله.
من الأمور التي لا يدركها الكثير من الأشخاص، أنّ الاكتفاء الذاتي يجعل منهم أشخاصاً جذابين في العلاقات الاجتماعية، سواء في العلاقة مع شريك الحياة أو في العلاقات العامة مع الأهل والأصدقاء.
الشخص المُشبَع عاطفياً قادر على بناء علاقات اجتماعية صحيّة ومسالمة مع الآخرين، يدرك أهمية الحدود في العلاقات، وقادر على إقامة علاقة طويلة الأمد، لأن تعاملاته قائمة على الودّ والاحترام وتقدير من حوله، والشخص المكتفي ذاتياً يرفض الأساليب القائمة على التعلّق والتضحيّة والاعتماد على الآخرين، لأنّه يدرك أنّ لها تأثيراً مدمّراً للعلاقات ومسيئاً لها.
كما تتميز العلاقات الاجتماعية للشخص المكتفي ذاتياً أنها علاقات مستقرة وطويلة الأمد، لأنه يحسن انتقاء الأشخاص الذي يحققون علاقة متوازنة معه من جهة، كما أنه يستطيع التنبؤ بالعلاقات السيئة والسامة وإنهائها في وقت مبكر من جهة أخرى. [4]
أفضل ما يمكن أن يحقّقه الوصول لحالة الاكتفاء الذاتي هو الشعور بتقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس، حيث يدرك الشخص المكتفي بذاته أنه يستحقّ أفضل شيء من كل شيء، فلا يورّط نفسه في علاقات أو سلوكيّات لا نفعَ منها لمجرّد رغبته بعدم البقاء وحيداً، بل يختار بعناية كل ما يقوم به، كل ذلك نابع من محبتّه لنفسه واحترامه لها. [1]
يمكن النظر للعلاقة بين الاكتفاء الذاتية والثقة بالنفس كعلاقة حتمية، لتعزيز الثقة بالذات يقود بشكل حتمي إلى الاكتفاء النفسي والعاطفي ذاتياً، وكذلك العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي يقود حتماً إلى تحسين الصورة الذاتية وتعزيز الثقة بالنفس.
الاكتفاء الذاتي في الحب هو سرّ من أسرار نجاح العلاقات العاطفية واستمرارها، حيث يستطيع الحبيبان رسم الحدود الشخصية بينهما بطريقة لا تؤدي لشعورهما بالانفصال، بل تعزّز المساحة اللطيفة بينهما؛ والتي تخلق المزيد من الودّ والاحترام في العلاقة العاطفية.
لا يعتمد الشخص المكتفي بذاته على الطرف الآخر بشكل كلّي لإسعاده وجعل حياته أجمل، بل إنّ الاكتفاء الذاتي يساعده على تحقيق معظم مشاعر السعادة بنفسه ولنفسه، ويشاركها مع شريكه في الأوقات التي يجتمعان فيها سويةً. [4]
مع ذلك قد تكون العلاقة العاطفية مع الشخص المكتفي بذاته علاقة معقدة وصعبة، وقد لا يفهمها الشريك إلّا إن كان أيضاً مكتفٍ بذاته وقادراً على تقدير السعادة الداخلية ومشاركتها، وإلّا لن يتمكن الشريك من فهم حالة الاكتفاء الذاتي والميل إلى عدم ربط السعادة بالعلاقة العاطفية نفسها أو الزواج.
لنتعرّف على بعض الأقوال والعبارات التي تحفّز على الاكتفاء الذاتي:
- كن لنفسك واهتمّ بها، فأنت أكثر من يستحقّها
- الاكتفاء بالنفس حرية وليس غروراً
- تعلموا الاكتفاء بأنفسكم، حتى لا ينقصكم قرب أو بعد أحد
- لا يُخذل شخص تعلّم الاكتفاء بنفسه
- كن سنداً لروحك، اتكئ على بعضك وقُم
- لا تقلق بشأن ما يعتقده الآخرون عنك، كن أنت نفسك ثق فيها واكتفي بها عن كل الناس
- كي تكسب نفسك كن حقيقياً
في الخلاصة.. الاكتفاء الذاتي هو منهج سلوكي يعزّز تقدير الذات واحترامها، يمكن لأي شخص اكتسابه من خلال تغيير الأفكار والمشاعر والسلوكيّات، يسمح الوصول لحالة الامتلاء الذاتي في تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي، ويساعدك في تأسيس عادات صحيّة مع نفسك ومع الأشخاص من حولك. سيساعدك هذا المقال على إعادة توجيه البوصلة نحو نفسك، فهي أجدر من أي أحد آخر بالاهتمام والرعاية، لأنّ ذلك كلّه بالمحصلّة سينعكس إيجاباً على حياتك وعلى من حولك.