كيف أتعلم ضبط النفس في المواقف الصعبة؟
لا يستطيع الإنسان منا أن يمنع المواقف الصعبة من أن تحدث معه، ولكنه في المقابل يستطيع أن يضبط نفسه في هذه المواقف الصعبة، فكيف أتعلم ضبط النفس في المواقف الصعبة؟ ستجد الإجابة عن هذا السؤال من خلال المقال الذي بين يديك الآن، فأكمل القراءة.
المواقف الصعبة التي نتكلم عنها هنا والتي نحتاج فيها إلى ضبط النفس هي كل موقف يثيرنا ويخرجنا عن طبيعتنا، سواء كان هذا الموقف جيداً أو سيئاً؛ نعم! فالمواقف الجيدة والسعيدة تعتبر أحياناً مواقف صعبة وتتطلب منا ضبط النفس عندما تكون حادة.
فمثلاً عندما يتقدم لكِ الشاب الذي كنت تحبينه سراً بشكل مفاجئ ودون علم منك بذلك فقد تتصرفين بطريقة جنونية تفسد فرحتك، لأنكِ لم تضبطي نفسي في هذا الموقف الصعب؛ فقد تتفوهين بعبارة مثل "وأخيراً أتى، هذا هو الشاب الذي أريده"، فتوقعين نفسك في ورطة مع أهلك أو ربما تحرجين منه هو شخصياً.
بشكل عام نحن نحتاج لضبط النفس دائماً في كل المواقف، وبشكل خاص في المواقف الصعبة التي قد تجرنا لأن نتصرف فيها تصرفات نندم عليها لاحقاً؛ كالمواقف التي تشعرنا بالسعادة العارمة أو الحزن الشديد أو الغضب الشديد أو الخوف الشديد مثلاً.
تختلف ردود أفعالنا في المواقف الصعبة؛ فمنا من يستطيع ضبط نفسه ومنا من لا يتمكن من ذلك؛ فتراه يفقد صوابه ويتصرف تصرفات غير مسؤولة، فكيف أتعلم ضبط النفس كمهارة حياتية لأضبط نفسي في المواقف الصعبة عندما تحدث معي؟ [1]، [2]
- تأمل ومارس الروحانيات: الصلاة والتأمل طريقتان فعالتان لمساعدتك على تنمية مهارة ضبط النفس في المواقف الصعبة؛ فمن خلال التأمل فإنك تسترخي وتهدئ أعصابك وتعطي نفسك فرصة للهدوء وتوقيف التفكير بما يهمك، كما أنك تطلب من الله تعالى أن يساعدك. بشكل عام يساعد التأمل وممارسة الروحانيات على تأجيل الرغبة وتأديب النفس وتوقيف التفكير لبعض الوقت.
- نم جيداً: إن قلة النوم مرتبط بفقدان الأعصاب وعدم السيطرة على النفس بشكل كبير، فقد ناقش كاتب يدعى كريستوفر بارنز ، في مقال نشر في هارفارد بيزنس ريفيو الصلة بين قلة النوم وسوء الخيارات، وقال أن أولئك الذين يعانون من الحرمان من النوم أظهروا مستويات عالية من السلوكيات غير المسؤولة واتخذوا قرارات خاطئة.
وتشير دراسة أجرتها جامعة واشنطن نُشرت في Harvard Business Review إلى أن الحرمان من النوم يستنزف الجلوكوز في قشرة الفص الجبهي من الدماغ المسؤولة عن ضبط النفس، وبالتالي يستنفد الوقود اللازم لضبط النفس، فالنوم بمثابة إعادة شحن لبطاريتك الداخلية التي تستنفذ خلال يومك ليعطيك القدرة على الاستمرار والصبر وضبط النفس والعمل. - تعلم النظر للصورة الكلية: على سبيل المثال عند العمل في مشروع طويل الأمد من السهل أن تشعر بالإحباط بسبب العديد من الخطوات الصغيرة المطلوبة للوصول إلى الهدف. ولكن تذكير نفسك والآخرين في الفريق بشكل دوري بالهدف النهائي يعمل على تعزيز ضبط النفس في المواقف الصعبة التي تواجهونها.
- مارس التمرينات الرياضية: فالتمرينات الرياضة والحركة تؤدي إلى زيادة تدفق الدم والأكسجين إلى القشرة الأمامية، وهو ما قد يفسر زيادة القدرة على ضبط النفس.
- استخدم التكنولوجيا: فهناك بعض الألعاب التنافسية التي تعلمك ضبط النفس، كما أن هناك تطبيقات بإمكانها أن تساعدك على ممارسة ضبط النفس مثل Stick.com الذي يبقيك ملتزمًا بأهدافك، وGymPact لضمان ممارسة التمرينات الرياضية، إضافة إلى التطبيقات التي تساعدك على إدارة نفقاتك واتخاذ قرارات مالية.
- اعرف نفسك: فضبط النفس العاطفي أو التحكم في الانفعالات هما حجر الأساس في الذكاء العاطفي. تعرف على نفسك حتى تتمكن من إدارة عواطفك ودوافعك. على سبيل المثال هل أنت معتاد على الرد بسرعة على القضايا؟ بمجرد أن تبدأ هل تجد صعوبة في التوقف عن الكلام؟ هل أنت قادر على البقاء هادئًا وإيجابيًا في المواقف الصعبة؟ لماذا؟ فالوعي الذاتي يسبق إدارة الذات في الذكاء العاطفيغضب.
- اطلب المساعدة: فقد تستعين بصديق للفضفضة عما يهمك أولاً بأول، وقد تلجأ لأخصائي أسري لحل قضاياك الأسرية. لا تخجل من طلب المساعدة عندما تحتاجها من شخص موثوق.
لقد ذكرنا أعلاه كيفية تعلم ضبط النفس كمهارة بشكل عام، لكن الآن سنخوض في كيفية ضبط النفس في المواقف الصعبة، لنتعلم كيفية التصرف أثناء المواقف الصعبة أي عندما تحدث معنا.
- خذ نفساً عميقاً: فهذا يساعدك على الهدوء والاسترخاء.
- عد للعشرة بشكل عكسي: أغمض عينيك وعد للعشرة بالعكس، ويمكنك فعل ذلك بلغة أخرى لتشغل تفكيرك بأمر غير الموقف الصعب الذي تواجهه حالياً، وبالتالي تعطي عقلك فرصة لأخذ وقت مستقطع.
- غير وضعيتك ومكانك: فإن كنت واقفاً فاجلس والعكس بالعكس، فتغيير الوضعية وتغيير المكان كذلك يحفز عقلك للتفكير في أمور جديدة في المكان الجديد. يمكنك أيضاً استدعاء التفكير بشيء تحبه.
- تذكر ما تعلمت عن مهارة ضبط النفس وأهميتها: فهنا تكمن أهمية المعلومات التي عرفتها عن ضبط النفس في المواقف الصعبة، وعليك تطبيق ما تعلمت عملياً.
- ركز على هدفك: وأعد تذكيره لنفسك مراراً وتكراراً.
- العب وتسلى: فهناك الكثير من المواقف التي بإمكانك أن تبسطها عن طريق الضحك على عقلك واللعب معه؛ فمثلاً إن كنت عالقاً بأزمة سير وقد غضبت وفقدت أعصابك بسببها، فتخيل أنك تلعب لعبة في PlayStation وأن عليك الوصول لوجهتك دون أن تفقد أعصابك، وأنك في كل مرة لا تستطيع فيها ضبط نفسك ستخسر النقاط في اللعبة، وأن السيارات المخالفة التي تتجاوز عنك أو تستفزك بسلوكيات سائقيها تكسبك النقاط إن عرفت التعامل معها وضبط نفسك.
اكتشف الباحثون مؤخرًا أن نفس الجزء من الدماغ الذي يتحكم في التعاطف يتحكم أيضًا في ضبط النفس، وهو يسمى الموصل الصدغي الجداري الأيمن.
غالبًا ما يستسلم الأشخاص الذين يفتقرون إلى ضبط النفس للسلوك المندفع والعواطف الجياشة، هذا يعني أنهم قد يتخذون خيارات خاطئة تضر بهم وبالآخرين.
تخيل طفلًا صغيرًا يريد شيئًا لكن والداه يرفضان إعطائه هذا الشيء، غالباً سيصرخ ويبكي وقد يرمي نفسه على الأرض؛ فالأطفال لم يطوروا مهارة ضبط النفس بعد، وينطبق الشيء نفسه على الناس من جميع الأعمار.
يعد ضبط النفس مهارة مهمة يجب تطويرها لأن هذه المشاعر نفسها تحدث في أي شخص يشعر أن احتياجاته أو رغباته لا يتم تلبيتها. فالشخص الذي يفتقر إلى مهارة ضبط النفس قد يستجيب بعدة طرق بما في ذلك الغضب والعصبية أو العنف الجسدي على نفسه أو على الآخرين أو عن طريق اللجوء إلى آليات التأقلم غير الصحية كالإدمان على الممنوعات.
وطبعاً كل هذا يفقد الشخص فرصته في التطور الشخصي والمهني والعلاقاتي، ويتعب نفسيته وجسده؛ فتراه هزيلاً ويعاني من اضطرابات في الأكل والنوم ومشاكل في القلب والشرايين وضغط الدم. [2]
في سبعينيات القرن الماضي حدد عالم النفس بول إكمان ستة عواطف أساسية هي السعادة والحزن والاشمئزاز والخوف والمفاجأة والغضب، ثم قام لاحقًا بتوسيعها لتشمل عواطف أخرى مثل الفخر والعار وغيرها، كما تم التعديل على هذه النظرية من قبل علماء آخرين، واتفقوا أن العواطف التي نشعر بها كلها صحية ولها وظائف معينة في أجسادنا، وهي أساسية للعيش؛ فلا يجب كتمانها وعدم الاعتراف بها، لكن علينا أن نديرها وأن نضبطها بالشكل الصحيح وألا نتركها تسيطر علينا. [3]
فمن منا لم يشعر بالحزن جراء وفاة شخص عزيز أو فقدان وظيفة أو لأي سبب كان، فالحزن أمر طبيعي نمر بها جميعاً، لكن لو أنكرناه وعشنا حياة طبيعية دون أن نسمح لأنفسنا بالتفكير ولو لوهلة بحزننا فإننا ندفنه داخلنا ليكبر ويعشعش فينا ويترك علينا آثار صحية ونفسية سيئة كالهلوسة وصعوبة التركيز واضطرابات الأكل والنوم والعلاقات السيئة وغيرها، وإن استسلمنا له فسنعيش حياة تعيسة وينتهي بنا الأمر لاكتئاب شديد ينتج عنه جسد هزيل منهك بلا أكل ولا شرب ولا نوم، وعلاقات سيئة سواء مع أنفسنا أو مع من حولنا، وستتدهور حياتنا بشكل عام بالتدريج.
من هنا يجب علينا أن ندير هذه العواطف ونتعلم ضبط النفس في المواقف الصعبة لنصل لبر الأمان؛ فنحزن لفترة قصيرة ونعطي أنفسنا المجال لنخرج هذا الحزن الذي داخلنا، لكن علينا أن نتغلب عليه ونبدأ بلملمة أنفسنا من جديد، متحلين بالصبر وبالذكاء العاطفي ومستعينين بالروحانيات وبمن حولنا وبنقاط قوتنا كما شرحنا من قبل، وهكذا نخرج من حزننا بالتعبير عنه وإدارته بالشكل الصحيح دون أن نكتمه أو أن نستسلم له.
أي أن علينا أن ندير عواطفنا بشكل صحيح لنتمكن من ضبط النفس في المواقف الصعبة لا أن نكتمها.
الجدير بالذكر أن ضبط النفس قد يكون مورداً محدوداً يقل مخزونه لديك مع الاستخدام المتكرر أحياناً؛ من هنا نجد أن بعض الأشخاص يفقدون أعصابهم ولا يتمكنون من ضبط أنفسهم بسبب تكرار مواقف صعبة كانوا يضبطون فيها أنفسهم لكن بطريقة خاطئة، فما يفعله هؤلاء فعلياً هو كتمان للعواطف وإنكرار لها وللمواقف الصعبة، فيأتي موقف معين ينفجرون فيه ويبدؤون بالبكاء أو الصراخ أو التصرف بطريقة غير مسؤولة، أو قد تتناقص قدرتهم على التحمل شيئاً فشيئاً. [1]
أما الأشخاص الذين قد تعلموا مهارة ضبط النفس في المواقف الصعبة ويمارسونها بطريقة صحيحة دون إنكار لعواطفهم، فإنهم يطورون هذه القدرة أو المهارة لديهم شيئاً فشيئاً بدلاً من أن يستنفذوها.